ثمة حاجة للعودة مرة أخرى إلى التنظيم الحكومي لخطبة صلاة الجمعة الذي تتولاه وزارة الأوقاف، والتعميم الرسمي الإلزامي لمحتوى الخطبة. إذ إن الحكومة بذلك تفسد على الناس دينهم، مثلها مثل الجماعات. فإذا كانت صلاة الجمعة عملا تعبديا بين الناس وبين الله، فلا حق لأحد أن يتدخل فيها بشيء، سواء كان الحكومة أو الجماعات السياسية والمتطرفة. وأفضل ما تفعله وزارة الأوقاف هو الكف عن التدخل بشيء في خطبة صلاة الجمعة، وأفضل من ذلك ألا تكون وزارة الأوقاف موجودة ابتداء، فالله عز وجل لا يحتاج إلى وزارة الأوقاف ليعبده الناس، وفي مقدورهم أن يعبدوا الله من دون الوزارة. وليس الحلّ للتوظيف السياسي الجماعاتي لخطبة صلاة الجمعة أن تتحول إلى توظيف سياسي حكومي. وبالطبع، فإن هذه المقولة لا تعني عدم محاسبة من يخالف القانون أو يدعو إلى الكراهية والتطرف، لكن هذه المحاسبة القانونية لا تعني إلزام الناس بنص يحدده موظف. فإذا كان الحديث النبوي لا يتعبد به في الصلاة، فكيف يتعبد الناس إلى الله بما كتبه موظف حكومي؟! أما إذا كانت خطبة صلاة الجمعة عملية بشرية مستقلة عن العبادة أو ليست جزءا من الصلاة نفسها، فهذا يعني أنه يمكن دينيا الاستغناء عنها، لكن إذا كانت من عند الله فلا يحق لأحد أن يتدخل فيها بشيء!
ليست الأزمة في من يوظف سياسيا خطبة صلاة الجمعة، ولكن في توظيفها ابتداء. فإذا كان مرفوضا التوظيف السياسي للدين والعبادات، فإن هذا يشمل الحكومة أيضا.
الحكومة تفتح بابا للشرّ بدلا من أن تغلقه؛ وكأنها تقول للناس: ليس “أبو عنتر السمندل” هو الذي يحق له أن يقول لكم ما هو الدين، لكن الوزير هو من يحق له ذلك. بمعنى أننا نحول الجدل إلى من هو الذي يحق له الوصاية على الناس في عبادتهم وعلاقتهم بالله عز وجل، ومن يقول لهم كيف يصلون؛ قائد الجماعة الدينية أم وزير الأوقاف؟ فيما المسألة الأصلية هي أن العبادة مستقلة تماما عن الوزير، مثلما هي مستقلة عن قائد التنظيم. أما دور الحكومة، فهو تطبيق القانون.
وبالطبع، فإن الانتماء للوطن فكرة جميلة ومهمة، لكن فرضها على الناس في خطبة الجمعة يفسد صلاة الجمعة ويفسد الانتماء للوطن، ويزيد التطرف والوصاية على الناس؛ ليس سوى استبدال تطرف بتطرف آخر. ولا بأس أن تذكّر الوزارة وترشد الأئمة والدعاة إلى الآيات القرآنية المتعلقة بموضوع أو قضية مهمة أو مفيدة، لكن ذلك ليس سوى تذكير. ويمكن بسهولة إعداد برامج وتطبيقات حاسوبية في ذلك، ولا حاجة لموظفين حكوميين أو غيرهم.
حسنا، إذا كان الأمر عملا تنظيميا وليس تعبديا، ألا يعني أنه يمكن الاستغناء عن خطبة صلاة الجمعة أو تأخيرها إلى ما بعد الصلاة كما كانت قبل الأمويين، فيكون حضورها اختياريا… و”يا دار ما دخلك شرّ”؟!