عروبة الإخباري- حذر رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري من أن المجتمع الأردني، بدأ يفقد “تماسكه ومتانته” ويواجه نفس المشكلات التي تواجهها بلدان عربية عديدة جراء قمع حرية التعبير.
ورأى المصري، في محاضرة ألقاها مساء أمس في منتدى المدارس العصرية، أن “خطر الجوع أقسى من خطر الإرهاب”، مشيرا إلى أن “الإرهاب ينشأ في المجتمع لظروف معيشية في الغالب، ويجد من يحتويه ويشجعه وتتلقفه (داعش) وتجنده”.
وقال، خلال محاضرته التي حملت عنوان “الحكم الرشيد والدولة والمعارضة والنقد والديمقراطية في الأردن”، إن “داعش أعلنت الحرب على الأردن، في بلاغ غاية في الخطورة والقسوة، كما لا يخفى ما الذي يحيط بنا من حزام النار، ومن الحدود التي نخسر فيها الجيرة الهادئة والآمنة”.
واستنكر الأعمال الإرهابية التي حدثت في الكرك مؤخرا، والتي “قام بها نفر من الظلاميين تجاه أمن الوطن وتجاه سلامة المواطنين”، مؤكدا أن الشعب الأردني يقف متماسكاً يداً واحدة وصفاً متراصاً في المُلمات، وأحداث الكرك ما هي إلا مثال من أمثلة كثيرة وقف فيها الشعب مع نفسه ومع وطنه، وبالذات مع الأجهزة الأمنية”.
وأضاف: “نعتز أيضاً بوقفة أهلنا في فلسطين معنا، منددين بالاعتداء على أمننا وفقداننا أرواحاً بريئة، ولم يعد ممكناً لأي كان أن يُشكك بعد الآن بهذه الحقائق أو أن يستغلها لأغراض خاصة”.
وتابع: “نقف جميعا في مواجهة مفتوحة مع الحاضر والمستقبل على حد سواء، ومسؤوليتنا جميعاً أن نتصدى للتحديات التي تواجهنا في بناء وطننا وإنقاذه، ولا أرى في منظومة الحلول الاستراتيجية التي يمكن أن تساعدنا على النجاة ، غير أن نُؤمن أولا بأن التعبير عن الرأي وقول الحقائق والكشف عنها وتقديمها للمواطنين وللجمهور، لا يتم إلا باعتماد مبدأ الإفصاح الكلي، وعلينا واجب وطني هو الكشف عن مواطن الخلل وبواطن الضعف والتعامل معها باعتبارها حالات مرضية تستوجب العلاج فوراً، وشعاري “الشفافية” و”الحرية سقفها السماء” اللذين طرحهما جلالة الملك، ويجب أن تترجم على أرض الواقع لا أن تبقى شعاراً بلا مضمون، وبغير ذلك فإن الصمت في هذه الحالة ليس فضيلة من ذهب، بل جريمة من نار وجحيم”.
وأضاف: “آن الأوان لكي نعمل على مراجعة شاملة وجدية وعميقة للسياسات المتبعة، ويجب كشف ملابسات وأسباب ما يحدث في مجتمعنا الذي يتآكل تماسكه ومتانته، وبدأنا نواجه مشاكل واجهتها بلدان عربية عديدة، حين حُرم بل قُمع فيها الأفراد والجماعات الوطنية من إبداء الرأي الصادق، فجرى ما جرى عندهم من صراع ودمار”.
وقال: “نعيش في الأردن ظروفاً لا تخفى على أحد، ولا أظن أننا نملك ترف التفاؤل غير المحسوب في نتائج المستقبل، فخلال الأشهر القليلة الماضية، وقعت أحداث إرهابية متنوعة الأساليب والأسباب، مرتكبوها أردنيون، وأثرت أعمال العنف هذه على سمعة الأردن، وتزامنت مع وضع اقتصادي ومالي أصبحت فيه كل المؤشرات الاقتصادية سلبية، وأصبح سائداً عند الناس، أن أحد أهم أسباب انحراف الشباب هي البطالة وقسوة الحياة المعيشية وانغلاق آفاق المستقبل أمامهم”.
وقال المصري “ففي شمالنا دولة بكاملها تنهار ولا يبقى منها غير ما ترونه من الانقسام والدم والقتل والخراب والتقسيم المتوقع، وإلى الشرق منا، في العراق، تعرفون كامل تفاصيل الحكاية، وفي الجنوب في المملكة العربية السعودية تواجه هي الأخرى تحديات استراتيجية ومصيرية غاية في الصعوبة والخطورة، وهي حليفنا اللصيق بنا، وترون كيف تدفع السعودية ثمن كل هذا الخراب في المنطقة والإقليم، وفي حدودنا الغربية في فلسطين لا يبدو المشهد بكامل تفاصيله يقودنا للتفاؤل أو حتى لمجرد الذهاب لبناء وصناعة سيناريوهات قد تحمل في جوانبها بعض الأمل”.
وزاد: “ومصر الأم قد تتحول إلى دولة فاشلة بعد الذي جرى لاقتصادها وعملتها الوطنية، وما يتبع ذلك من تداعيات قد تعصف بأمنها الاقتصادي والاجتماعي، وفي كل هذه الظلال تبرز القوى المتصارعة الأخرى في جغرافية أوطاننا، أميركا وإسرائيل وتركيا وإيران وروسيا، وقبل أولئك كلهم شذاذ الآفاق والمرتزقة والقتلة الذين تم تجميعهم في سورية والعراق ليخدموا مشاريع التخريب بإشاعة الدمار والموت والقتل على الهوية والدين”.
وقال إن “الأردن في رحم كل هذا الواقع، يبدو الناجي الوحيد والبوصلة المتماسكة التي لا تزال تحافظ على عهدها ووحدتها وكينونتها”.
واستشهد المصري بالورقة النقاشية الرابعة التي قال فيها جلالته إن “ما أوّد التأكيد عليه هنا هو أن الاختلاف في الرأي والمعارضة البناءة الملتزمة بهذه الممارسات، والتي تبني مواقفها على أساس الحقائق والوعي، وليس الانطباعات والإشاعات أو الاعتبارات الشعبوية، تشكل أحد أهم الوسائل التي يعبر المواطن من خلالها عن ولائه للوطن”.
وقال إن “هذه الجملة البنَّاءة تمثل بالنسبة لي روح الحياة السياسية والنهج الديمقراطي الذي نسعى لبنائه وتعزيزه، وهي تجمل ما أود التطرق إليه تلميحاً وتصريحاً في هذه المحاضرة، فالإختلاف في الرأي والمعارضة البنَّاءة التي تستند الى مبدأين هما الحقيقة والوعي، يشكلان أبرز وسائل بناء الوطن وأهم تجليات الولاء الوطني”.
وأضاف: “في كل تفاصيل هذه الخريطة المأساوية، وفي ضوء هذه الأفعال الإرهابية التي تغزو مجتمعنا، والعنف المجتمعي والجامعي الذي أصبح يشكل ظاهرة خطرة، علينا أن نجدد دائما أنفسنا ونراجع مسيرتنا حتى نبقى سابقين للأحداث وواعين لنتائجها، وإن قوتنا الحقيقية تتجسد في تقوية بناء الدولة وأساسها احترام الدستور نصاً وروحاً”.
كما دعا للتمسك بالوحدة والوطنية الأردنية الجامعة الشاملة، وبترسيخ الدولة المدنية، متسائلا “كيف لا ونحن نرى أن انهيار الأنظمة المحيطة بنا تنعكس أولاً وأخيراً على المواطنين، وأن من يدفع الثمن هم الشعب بكامل مكوناته. ومن المفيد أن نذكر أن تقارير ذات تأثير ومصداقية صادرة عن شخصيات ومراكز دراسات في الولايات المتحدة، تدعو إدارة الرئيس المنتخب ترامب إلى الربط بين الإرهاب والإصلاح في العالم العربي، وبناء عقد اجتماعي جديد وعصري يكرس قيم المساءلة، ويدمج الشرائح الاجتماعية في الحياة العامة، ويعزز المؤسسات المدنية، ويحد من مشكلة الفساد المستشري، وإقامة الحكم الرشيد”.
وأضاف: “أقول ذلك وأنا أدرك تماماً أن ما نعيشه هذا الأوان، وما نمر به من عصبيات مؤذية، إنما هي نتيجة التأويل الخاطىء والتفسير المصلحي لآراء ومواقف النخب الأردنية والسياسيين، تجاه السلوكيات والمشاريع الحكومية السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي نراها تنجح تارة وتخفق تارات أخرى”.
وقال: “ليس من نافلة القول التأكيد على أن المشكلة الأساسية التي تواجهنا هذا الأوان وفي مستقبلنا القريب والبعيد على حد سواء، هي في كيفية أن تكون شريكاً في بناء هذا الوطن، بمعنى ان تكون شريكاً في الغنم والغرم على حد سواء، وأن تكون شريكاً في الرأي والنقد، والمشورة والعمل، وأن تتقاسم الربح والخسارة، لا أن تكون رهنا بدفع فاتورة الخسائر صاغراً مجبراً، وعندما تسأل لماذا أكون كذلك، تصبح هدفاً للتحطيم والاتهام، وكأن بعضاً من الحكومات وكثيراً من المسؤولين لا يريدون منك غير القيام بدور واحد فقط، وهذا بالتأكيد دور لا يجيده الأردنيون ولا يرغبون القيام به”.
وتابع: “أما المشكلة الأخرى فهي أن بعضاً ممن يعملون في الحقل العام ويشاركون في صناعة القرارات، لم يعودوا يشعرون بضنك الناس وبؤسهم، ويدافعون بدون وجه حق عن أي قرار حكومي”.
وقال إن “نقد الحكومات لا يُخرج صاحب النقد من وطنيته، ولا من ولائه لهذا الوطن، وهو لم يمارس هذا النقد ويذيعه في الناس إلا لأنه يشعر بالمسؤولية تجاه الوطن والمجتمع، ولقناعته بأن هذا دوره وهذه وسيلته في النصح والتعبير، ونحن مجمعون على أن التغيير باللسان والقلم هو أضعف الإيمان، والمقصود هنا هو التغيير والإصلاح بالنصيحة والمشورة وبتلاقح الأفكار، وبالحوار البناء والمسؤول، وليس بالطرق الأخرى التي يعلو فيها الصراخ، وتتناثر فيها الاتهامات، وتتعدد فيها التوصيفات والتصنيفات”.
وقال إن “عواقب عدم تجاوب المسؤولين مع متطلبات الشعب أمر خطير، وكلما تجاهل الحاكم متطلبات الناس ومطالبهم السلمية، ازداد احتمال حدوث العنف في المجتمع، كذلك فإن عدم اكتراث المواطن بضرورات الأمن والاستقرار التي يجب مراعاتها عند إدلائه برأيه، هو أمر خطير أيضاً”.(الغد)