عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب _ قرار مجلس الامن الاخير الذي شجب الاستيطان و حرّمه واعتبره غير شرعي وهجين وضار بالسلام و مانع لاقامة الدولة الفلسطينية او هكذا يجب ان يفهم منه , هذا القرار هو ثمرة من ثمار الجهود الفلسطينية السياسية التي نمت كما تنمو البذرة في الصخر , فقد كان لاصرار القيادة الفلسطينية الشرعية التي يقودها الرئيس ابو مازن الدور الاكبر في صناعة المناخ وتهيئة التربة لقطف ثمار جهد المجتمع الدولي ممثلا في هذا القرار , والذي يثبت صدوره ان النبتة الدولية ليست عقيمة حين يكون هناك من يتعامل معها بوعي وبلغة مفهومة .
منذ اتخذ الرئيس عباس نهجا لقيادته باتجاه مواصلة العمل السياسي مع المجتمع الدولي , و باعتبار ذلك اداة الصراع الاساسية في قضية عادلة ظل العالم يساندها منذ ذلك الوقت ظل الرئيس يواجه تحديات عديدة من مصادر مختلفة , عدوة وحتى محسوبة على الاشقاء , وبعض الفلسطينيين الذين اعتقدوا انهم يستطيعون بالشعارات و التدخلات الهجينة ان يفعلوا شيئا .
قرار مجلس الامن ثمرة ساهم الفلسطينيون بقيادتهم القائمة في زراعتها , وهي نتيجة منطقية لما اصروا على الاستمرار في نهجه وبنائه , فقد كانت رؤية الرئيس ابو مازن في اتخاذ الشكل السياسي اسلوبا كفاحيا ونضاليا في هذه المرحلة في التعامل مع المجتمع الدولي صائبة رغم كل التحديات , لقد كانت له البصيرة والاصرار والامساك على جمر مسيرة صعبة لا تستعمل ادوات الغضب والانفعال و ردود الفعل السريعة والمستهترة بدماء الشعب الفلسطيني و حياته .
اليوم يفتح القرار ” ان احسن ادارة الارتدادات التي صنعها ” باب التوظيف له , واستثمار الزخم العالمي القائم معه , وهذا سرّ الهستيريا التي اصابت القيادة الاسرائيلية التي ظلت تنام على اساليب الخروج على المجتمع الدولي وتعتمد على المناصرة الظالمة والفيتو الامريكي و من يرى رؤيته .
هل انكشف الطابق ؟ هل هذه البداية ؟ هل اثمر صبر ابو مازن و نهجه الذي ظلّ الاخرون يغرقونه بأساليب ظلّت اسرائيل تستفيد منها .
هذا القرار اقوى من طائرات اسرائيل الاف 16 التي ظلت تقصف غزة , و هو الذي يخيف اسرائيل ان جرى استخدامه بوعي اكثر من الصواريخ التي ظلت تطلق وتوظف اسرائيل اطلاقها لقتل الفلسطينيين وتشويه قضيتهم ومنعهم من كسب العالم ليقف الى جانبهم .
لو ولد القرار في مناخ لم يراكم ابو مازن فيه جهدا كبيرا لدى المحافل الدولية منذ الاعتراف بفلسطين في الامم المتحدة كما جاء هذا القرار , ولما وجد العالم بما فيه الولايات المتحدة ان الفلسطينيين طلاب سلام لا صراع مسلح .
الذين سخروا من جهود الرئيس عباس وقيادته سواء كانوا عربا ام عجم في رحلته الاولى الى الامم المتحدة وما كان يراكمه كما يراكم النمل حصاده , قد يكونوا فوجئوا كما اسرائيل وربما اكثر منها , فقد ارادوا ان يناموا في وهم الاستسلام للضغوط او الخوف منها , او الذهاب باتجاه الخيارات الانفعالية التي ارادت اسرائيل ان يأخذوا بها دون ان يدركوا ان السلاح واستعماله في هذه المرحلة هو خيار اسرائيلي وان دون ذلك اشكال عديدة من المقاومة لا يستطيعها الا المؤمنون بالقضية والصابرون على الامساك بجمرها .
ابو مازن لم يستعمل الاسلحة الاسرائيلية من قوة وطائرات وقصف للرد عليها فهي تملك الكثير من هذا وهو لا يملك منه شيئا ولا يستطيع ان يسوق القضية من هذا الباب ولكنه استعمل سلاحا ظلت اسرئيل تخشى ان يستعمله وهو نفس السلاح الذي قامت اسرائيل من خلاله حينما ولدت من قرارات للامم المتحدة في التقسيم والاعتراف وظلت تمنع الشعب الفلسطيني من استعمال سلاح الشرعية الدولية لتعزيز كفاحه وايجاد الشرعية له.. فهل اكتشف الرئيس عباس السّر مبكرا وكم كان يحتاج الى وقت ومعاناة لتمرير هذا الهدف الذي لعبه العالم بعد ان وفرت القيادة الفلسطينية المناخ المناسب.
على المنصفين الان ان يقولوا للرئيس امض في هذا الطريق لتحصد المزيد من الثمار فلم يكن العالم مبتهجا من خلال ممثليه ومتشفيا في اسرائيل وسياساتها الارهابية باكثر مما رأيناها في الامم المتحدة لحظة التصويت.
لدى القيادة الفلسطينية الان ورقة من الشرعية الدولية لديها قرار مجلس امن طازج يأتي بعد اكثر من ثلاثين سنة ولولا النضال السياسي والكفاحي المتراكم لم يأت.
اليوم يدخل الفلسطينيون مرحلة جديدة تحتاج الى اسناد قيادتهم والى مصالحة وطنية واسعة وعريضة ليستمر هذا النهج الذي بدأ الان موصلا ونافعا وليس عقيما او مقطوعا كما ظل البعض يعتقد او يدعو.
هذا شوط الذهاب اذن قد بدأ ومن حق اسرائيل ان تخشى وان تضطرب قيادتها وان يهدد رئيس وزرائها نتنياهو المصاب بالهستيريا دول العالم بالادارة الامريكية الجديدة لقد أكل ( هواة مقفي ) من أوباما كما يقولون بالمثل الشعبي ولن تستمر اسرائيل محمية في رحلة حروبها الطويلة ضد الشرعية الدولية..
هذا النصر الذي اعتبره كبيرا بحاجة الى ان يثمر المزيد من الانجازات على طريق رحيل الاحتلال واقامة الدولة الفلسطينية يغري لمزيد من العمل , و على الفلسطينيين الان ان يستغيثوا اكثر بالمجتمع الدولي عربا و اجانب في اعادة تقييم مشروع قرار يدعو الى اعتبار فلسطين دولة كاملة وليست مراقبا في الامم المتحدة , وهذا يتطلب مواصلة الجهد السياسي الفلسطيني بقوة , ومواصلة الرئيس ابو مازن ضرب الحديد الامريكي الساخن طالما ان المزاج الامريكي الان بدأ يعتدل , ويتفهم الحالة الفلسطينية ومظلوميتها وعدالتها .
واذا كنا كفلسطينيين نريد ان نربح باليانصيب فقد كان علينا ان نشتري ورقة اليانصيب كما فعل ابو مازن حين بدأ المشوار الصعب في العمل السياسي الكفاحي الدبلوماسي عبر العالم وخاصة الامم المتحدة , لا ان نذهب للدعاء و الولولة و ان نرجو ان نربح دون ان نشتري ورقة .