إحدى الملاحظات المهمة على أحداث الكرك التي انتهت أوّل من أمس في قريفلا، تتمثّل بظاهرة “الأشقاء” القتلى في قلعة الكرك، ثم القتلى في قريفلا، من أعضاء الخلية الإرهابية، أو المرتبطين بها.
تلك ظاهرة لم تكن بهذا السطوع وتلك الكثافة في الأردن، خلال الأعوام الماضية. لكّنها كانت معروفة في الأوساط الجهادية بدول أخرى، وحتى بالغرب (ظاهرة الأشقاء عبدالسلام، والأشقاء كواتشي، ممن قاموا بعمليات إرهابية في باريس خلال العامين الأخيرين). وهي ظاهرة متجذّرة في أوساط “القاعدة” و”داعش” في السعودية، ونلحظها في حالة الأطباء والطبيبات السودانيين الذين غادروا للانضمام إلى “داعش” في العراق وسورية!
ولعلّ مراجعة لأحداث الكرك ومدى حضور التيار الجهادي أو الداعشي فيها، ستضعنا أمام قناعة بأنّ هناك نمواً ملحوظاً خلال الأعوام الماضية، أولاً؛ كما سنجد دوراً لعلاقة القرابة والنسب والصداقة في التأثير في عملية التجنيد، ثانياً.
ليس بعيداً عن علاقة القرابة أو النسب بين القتلى الإرهابيين من خلية الكرك، نجد قصة شقيقين آخرين قُتلا في العراق وسورية وهما يقاتلان في صفوف “داعش”. الأول، كان طالب هندسة، وخطيب مسجد، لم يكمل جامعته، وقتل في عملية انتحارية في العراق بداية العام 2013 (وهو من مواليد العام 1991). والثاني، شقيقه الأكبر (مواليد العام 1989)، أنهى التمريض في جامعة مؤتة الجناح المدني، وكان أيضاً خطيباً متطوعاً في مسجد، وقُتل في حزيران (يونيو) من العام الماضي (2015) في سورية، ونعاه “داعش” وأفردت صحيفة “دابق” موضوعاً كاملاً عنه، ولانتقاله من السلفية التقليدية إلى الجهادية. وقام التنظيم لاحقا بإعلان غزوة حملت اسمه، في إشارة لمكانته في “داعش”؛ إذ أصبح أميراً للتنظيم في إحدى المدن السورية.
سنجد أنّ بعض القتلى في الكرك تربطهم صلة قرابة بآخرين انتقلوا إلى “داعش”، وقُتل أحدهم خلال عملية انتحارية هناك. وثمة آخر ما يزال يقوم بدور فاعل مع التنظيم، له موقع مهم فيه. وهناك أحد أبناء المدينة يدعى “أبو غادة”، يعتبر من الأعضاء البارزين في المجلس العسكري في “داعش”، أي في القيادة.
دور الشبكة العائلية والصداقات في التأثير ليس ظاهرة في الكرك فقط، بل يبرز بوضوح أيضاً في مدينتي السلط ومعان، ويمكن بسهولة ملاحظته عند تتبّع صفحات خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، أُسّست لنعي من يُقتلون من أبناء المدينتين في العراق وسورية، وسنجد عشرات الأسماء والأشقاء والأقرباء! وبالمناسبة، الظاهرة نفسها تنطبق على المدن الكبرى؛ لاسيما عمان وإربد اللتين شهدتا أيضاً نمواً للتيار في الأعوام الأخيرة، والمعقل التقليدي له في الزرقاء والرصيفة.
النتيجة التي أريد أن أصل إليها من الملاحظات السابقة المقلقة والمزعجة لنا، بطبيعة الحال، تتمثل في جانبين رئيسين:
الأول، هو أنّ هناك، بالضرورة، دوراً حيوياً وكبيراً للإنترنت في التأثير على أبنائنا، عبر الدعاية الإعلامية الخطيرة لتنظيم “داعش”. لكن عملية التجنيد تتم – عادةً- عبر شبكات العلاقة الأولية؛ الأشقاء، العائلات، الأصدقاء، رفاق النادي… ما يعني ضرورة الاهتمام والانتباه إلى البيئة الاجتماعية المحيطة بالشخص المتأثر بهذا الفكر، ومحاولة الحيلولة دون انجرافها في الاتجاه نفسه. وهذا لا يرتبط بدور أمني، بل مدني (ثقافي- اجتماعي).
أما الجانب الثاني، ويرتبط بالجانب الأول، فيتمثّل في التأكيد على الهاجس الذي ذكرته في مقالة أمس، من أن تأتي المرحلة المقبلة بالنساء والأطفال الداعشيين. وهناك تربة تشكّلت عبر مجتمع داعشي (وجهادي أكبر) تأسس، من الخطأ إنكاره، أو التعامل معه بتجاهل، بل لا بد من الاعتراف بوجوده وخطورته، وبناء مقاربة عميقة للتعامل معه. وربما هذا وذاك يقوداننا إلى مقالة يوم غد، في تحديد المسار العام الموازي (للمقاربة الأمنية) للتعامل مع هذه الظاهرة المجتمعية- الأمنية الخطرة.