عدد الأحزمة الناسفة، وكمية المتفجرات والأسلحة الأتوماتيكية وعتادها، التي تم ضبطها، أول من أمس، بحوزة خلية الكرك الإرهابية، تخبرنا الكثير. فأولئك الإرهابيون ليسوا شبابا غاضبين، وإنما هم منظمون؛ عملوا لأيام طويلة على جمع هذا الكم من الأسلحة، وتصنيع تلك الأحزمة وتحضير المتفجرات.
وهم، قبل ذلك، من أصحاب الأسبقيات المحكومين بقضايا إرهاب في فترات ماضية. لكنهم على الرغم من ذلك تمكنوا من اقتراف فعلهم المشين، بعد أن تم كشفهم بالصدفة من قبل أحد أبناء المنطقة؛ لتتكشف بعد ذلك نواياهم وحجم التخطيط لما يرمون إليه، الأمر الذي يدلل على أهمية المجتمع وكل فرد منه في كشف ومحاصرة الإرهابيين وكل ذوي النوايا السيئة.
بالنتيجة، فإن مخاطر الفكر التكفيري على الأردن قائمة ومكشوفة. وليس ثمة مفاجأة في ذلك، باستثناء ربما توقيت اعتداء الكرك، وكيفية اكتشاف المتورطين. ولذلك يلزم، بداهة، أن تبقى العيون مفتوحة لإجهاض مخططات الإرهاب.
لكن في خضم المحنة، يتجلى بوضوح الوجه الجميل لها، وهو أن المجرمين التكفيريين لا يمثلون الأغلبية في مجتمعنا. فردود الفعل الشعبية في الكرك أساساً، كما في كل شبر من هذا الوطن الذي نحب، جاءت عظيمة بالرفض والإدانة الكبيرين للجريمة. وهو ما يمنحنا شعورا بالطمأنينة، بل ويمثل سلاحا قويا للوقوف في وجه تلك القلة من القتلة بيننا، ومحاصرة سرطان الفكر الكريه.
وهي، أيضاً، ليست المرة الأولى التي يؤدي فيها المواطنون دورا عظيما؛ بأن يكون كل واحد منهم رجل أمن. ففي إربد قبل أشهر، تم كشف الخلية من قبل أفراد عاديين. وكذلك كان الأمر في حادثة البقعة المؤلمة.
لكن ذلك لا يعني أن الخسارة ليست كبيرة، بفقد حياة 9 شبان بعمر الورد وبجماله؛ ضحوا بأرواحهم الطاهرة لأجل الوطن. فما يزال الأردنيون يضحون بالأرواح، وتسيل دماؤهم الزكية، صوناً للوطن في مواجهة متطرفين وجهل اخترق بعضا من شبابنا.
ثمة معلومات مؤكدة أن بعض الإرهابيين المتورطين كانت قد صدرت بحقهم أحكام بالسجن بتهمة محاولة الالتحاق بتنظيمات إرهابية في سورية. وبرغم ذلك، لم تجرِ متابعتهم وملاحقتهم. والدرس والعبرة من هذه المعطيات أن هؤلاء باتوا يمثلون خطرا كبيرا، ولا مجال للاستخفاف بحجم الأذى الذي يمكن أن يوقعه هذا الفكر بالأردن.
بصراحة، فإن هؤلاء ليسوا “خلايا نائمة” كما اصطلح على تسميتهم؛ بل هم “خلايا يقظة”؛ تخطط وتفكر كل يوم للإرهاب والقتل وتدمير المجتمع فكريا وقيميا.
يوم الأحد الماضي قدم الأردنيون أنموذجا شعبيا في الكرك التي قبرت قلعتها الإرهابيين. فثمة خطر يتمدد، وهذا معلوم. لكن الأخطر التعامل معه بأدوات تقليدية تصل حد التراخي أحيانا أو الاسترخاء.
الأردن عَبَر الامتحان هذه المرة أيضا. إلا أن ذلك يدفعنا لتذكر أن العام 2016 شهد أكثر من حادثة إرهابية. وعدم تكرار ذلك مسألة ليست محسومة في ظل نتائج استطلاعات رأي تقول إن مئات الآلاف من أبناء مجتمعنا متعاطفون مع هذا التيار التكفيري، حتى من دون أن يدركوا ذلك. وهو ما يفرض الشروع بعملية طويلة من الإصلاح الفكري والقيمي.
إلى الكرك رحلت كل القلوب، دعما وإعجابا، كما حزنا أيضا. فاجتازت المدينة المِحنة، لأن الأردنيين بقوا على عهدهم؛ قلبا واحدا في الحرص على أمن وطنهم وأمانهم.
السلام للأردن وأهله، والخشوع للدماء الطاهرة.