عروبة الإخباري – تمر اليوم 6 سنوات على الشرارة الأولى للثورة التونسية التي انطلقت في الـ 17 من ديسمبر/كانون الأول 2010 وحتى الـ 14 من يناير/كانون الثاني 2011، وسط تفاؤل مشوب بالحذر، وتشاؤم إزاء ضياع أهداف الثورة بفعل محاولات الثورة المضادة التي تعمل على إعادة رموز النظام السابق للتحكم في مفاصل الدولة، وإيقاف المسار الديمقراطي.
ويجمع التونسيون على أنهم لم يحصدوا بعد ثمار ثورتهم، مؤكدين أن تجاذبات السياسيين وإخفاقاتهم تقف وراء تعطل مسارها.
وأكد عبد الرحمان الهذيلي رئيس “المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية” أن إضرام محمد البوعزيزي النار في جسده في قلب مدينة “سيدي بوزيد”، في مثل هذا اليوم من العام 2010 فتح مسارًا جديدًا من النضال والتضحيات من أجل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
وأضاف الهذيلي أنه “يدرك جيدًا ما حققه التونسيون اليوم، وأهمية التوافق الذي أسس لدستور الجمهورية الثانية وأمن مسار الانتقال الديمقراطي السلمي، وهو يدرك كذلك دور الصراع السياسي والمدني وحجم التضحيات التي قدمتها القوى الديمقراطية وقوات الأمن و الجيش، حين تنامى الخطر الإرهابي والتطرف الديني وخيم الاغتيال السياسي على الساحة الوطنية، في تغيير ميزان القوى لصالح الخيار الديمقراطي وفرض دستور يناير 2014، الذي يمكننا اليوم من أن نستمر في المطالبة بتجسيد حقوقنا في المواطنة والعدالة والتنمية”.
وأوضح الهذيلي أن “الانتقال الديمقراطي لن يكتمل دون التقدم في اتجاه استكمال بناء المؤسسات الدستورية واحترام استقلاليتها واحترام مقومات دولة القانون وفي اتجاه منوال تنموي جديد يقطع مع سياسات الفشل ويمكن من إنعاش الاقتصاد وتوفير مواطن الشغل ويقوم على مبدأ تقاسم الأعباء والخيرات ويبني شروط ديمقراطية اجتماعية عادلة”.
ودعا مكونات المجتمع المدني الديمقراطية والمنظمات النقابية والنخب الفاعلة والشخصيات الوطنية المستقلة إلى “الانخراط في الحراك الاجتماعي والمدني من أجل تحقيق المطالب الاجتماعية للثورة واستحثاث إنشاء المجلس الوطني للحوار الاجتماعي الذي دعا له الاتحاد العام التونسي للشغل حتى يكون أحد فضاءات البناء التشاركي للديمقراطية وللرؤى التنموية المستقبلية”.
وثمّن كل جهود المجتمع المدني المحلي الساعي إلى بلورة بدائل تنموية محلية اجتماعية وتضامنية وتشاركية على غرار تجربة جمعية حماية واحات جمنة، وداعيًا إلى “دعمها وإسنادها، استعدادًا إلى مرحلة وضع أسس الديمقراطية المحلية في المرحلة القادمة والقادرة على إدماج الفاعلين المحليين في تدبير الشأن المحلي والتنمية المحلية”.
العقلانية التونسية
وأكد القيادي في حركة “النهضة” عبد الحميد الجلاصي، أن “الثورة التونسية في طبيعتها وسياقها هي مسار، وبالتالي لا يمكننا إلا أن نفخر بما حققناه كتونسيين مجتمعين ومتعاضدين، خاصة وأن حجم الضغوط المسلطة على تونس يختلف نوعيًا عن حجم الرهانات المسلطة على بلدان المشرق العربي، ولكن ذلك لا يجب أن يقلل من دور العقلانية التونسية في إدارة اختلافاتها وتبايناتها وحتى تناقضاتها”.
وحول التطلعات التي فجرتها الثورة، يؤكد الجلاصي أن “الحصيلة متوسطة”، مشيرًا إلى أن “الزمن الثوري هو زمن الاستعجال في الإنجاز، وهو الزمن الأكثر إلحاحية، فلا يخفى على أحد حجم التساؤل والحيرة التي تتلبس بشعبنا وبشبابنا خاصة حول المستقبل والآفاق، وهي حيرة يمكن أن تتحول إلى إحباط، والإحباط بدوره يمكن أن يتحول إلى حلول يائسة، وبالتالي لا يجب أن نقلل من أهمية المنجزات في المسار السياسي والتأسيسي، رغم أن هذا المسار يتطلب، هو أيضًا تثبيتًا وترسيخًا”.
الأفضل كان ممكنًا
وأشار الجلاصي في تصريح صحفي، إلى أن “تونس ما تزال تتلمس مداخل الورشات الكبرى للإصلاح، التي بدونها لن تكون إدارة ما بعد الثورة في المحصلة سوى تعديلات بسيطة على دولة بن علي، فالتدارك لا يزال ممكنًا، والحلم أيضًا، فشعبنا أعطى كل شيء وضحّى لعشرات السنين”.
وأكد أن “المسؤولية تقع على هذه النخبة، بحكامها ومعارضتها، بسياسييها ونقابييها وأعرافها، هي المتسبب بصراعاتها وخفّة بعض مكوناتها في أن يكون المنجز ليس فقط أقل من المأمول، بل وأقل من الممكن والمتاح”.
وشدد على أنها “أمام فرصة لإنجاز تعاقدات كبرى، اجتماعية، بما يسرّح آلة الإنتاج، و يدفع المبادرة الخاصة، و يخفف العبء تدريجيًا على القطاع العام، مع تكاليف اجتماعية متحملة، وأخرى سياسية، بما يسرّح مسار استكمال البناء المؤسساتي في مناخ من التنافسية بعيدًا عن أوهام العودة إلى الوراء أو أحلام التغول، وأخرى أخلاقية، بما يعالج ملفات الماضي، معالجة عقلانية، فتحرر المستقبل من مكبلات أعطاب الماضي”.
وأبرز القيادي في حركة النهضة أن “هذه التعاقدات الثلاثة الضرورية، مع ترسيخ ثقافة العمل والحوكمة الرشيدة والشفافية، هي التي تعيد الأمل في الثورة، وتعطيها نفسًا ثانيًا”، مستشهداً بما أبرزته فعاليات وتعهدات المؤتمر الدولي للاستثمار، التي أكدت أن “المحيط مشجع، وغير معرقل، وبالتالي لم يبق إلا أن نشمر عن سواعدنا”.
انتظار ووعود
وبرغم مرور 6 سنوات على اندلاع الثورة التونسية، ما يزال التونسيون ينتظرون ثمار ثورتهم، من خلال تحقق الوعود العديدة من السياسيين، والتي لم يتحقق منها غير القليل، في ظل فشل الحكومات المتعاقبة بتجاوز العراقيل، أمام عدم استقرار الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ويحتاج نسق الإصلاحات إلى سرعة أكبر من خلال الدفع بمنوال تنمية ذي أبعاد اجتماعية، بهدف خلق فرص عمل تتماشى وتطلعات الشعب التونسي.
وفي ندوة فكرية بمدينة سيدي بوزيد، وسط غرب تونس، مهد الثورة التونسية، تحت عنوان “سيدي بوزيد.. ست سنوات بعد الثورة”، أكد عدد من الشخصيات التونسية والدولية المشاركة أن الثورة التونسية، وإن لم تحقق تطلعات التونسيين بعد، فإن مسار الانتقال الديمقراطي يسير بخطى ثابتة، وإن كانت بطيئة.