أعطى التنسيق الروسي التركي في أزمة حلب الدليل على حدود الدور الإيراني في سورية، لا بل وأدوار الدول الأخرى الحاضرة في المشهد السوري.
بعد فشل المحادثات الروسية الأميركية لترتيب انسحاب مقاتلي المعارضة في شرقي حلب، وتأمين المدنيين في مناطق أمنة، استدارت موسكو نحو أنقرة، وشرع الطرفان في ترتيب تفاصيل الاتفاق. حاولت إيران عرقلة عملية الانسحاب من حلب، لشمول بلدات “شيعية” بقرار فك الحصار وإدخال مساعدات إنسانية، لكن الاتفاق الروسي التركي كان فاعلا إلى الحد الذي لايمكن إيقافه. وحتى بعد بدء عمليات إجلاء السكان والمقاتلين، سعت المليشيات المحسوبة على إيران لإفشاله، غير أن محاولات التعطيل أخفقت هى الأخرى.
وقبيل أن تطوى صفحة حلب المأسوية، كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصرح بأن بلاده ستبدأ في وقت قريب مباحثات مع تركيا وأطراف في المعارضة السورية للتوصل إلى وقف إطلاق النار في كامل سورية. وحدد مكان وزمان تلك المباحثات.
وطوال الأيام الحرجة التي سبقت عملية حلب وخلالها، كانت خطوط الاتصال بين بوتين وأردوغان مفتوحة على مدار الساعة، بالتزامن مع اتصالات مكثفة بين وزير خارجية تركيا وإيران، لتخطي العقبة الإيرانية. وأفادت تقارير صحفية بأن وزير الخارجية التركي هاتف نظيره الإيراني أربع مرات في أقل من 48 ساعة.
ليس ثمة ذكر في كل تلك الاتصالات لواشنطن أو أي من العواصم العربية المعنية بالأزمة السورية.
ويمكن للمرء أن يتفهم تحييد واشنطن كونها تمر في مرحلة انتقالية، بانتظار تسلم إدارة دونالد ترامب لمقاليد السلطة في العشرين من الشهر المقبل. لكن ماذا عن العواصم المشتبكة سياسيا وعسكريا في الملف السوري؟
لم يرد لها ذكر في قائمة الاتصالات الهاتفية.
هناك اتفاق فريد من نوعه بين طرفي الصراع في سورية، مفاده أن ماحصل في حلب يشكل تحولا جوهريا في مسار الأزمة. ولا يعني ذلك بالطبع تحولا نحو التسوية النهائية للصراع، لكن فيما يلقيه من تبعات على مستقبل الأزمة.
أهم ماخلصت إليه الأحداث من أزمة حلب، تبلور الشراكة الروسية التركية، وتولي الطرفين دورا قياديا مؤثرا في سورية، رغم تباين موقف البلدين حيال الأزمة من جذورها.
لكن في ظل تراجع الدور الأميركي، وعجز الدول العربية والخليجية عن تبني مقاربة مقبولة في سورية، حازت تركيا على دور مهم أهّلها لتكون شريكا موثوقا من جانب روسيا.
ولم تكن هذه الشراكة وليدة اللحظة “الحلبية” فقد سبقتها بأشهر المصالحة بين بوتين وأردوغان، وترجمت باتفاق تبادل المصالح في سورية، بموجبه سمحت موسكو للقوات التركية والمليشيات الحليفة بالتحرك داخل الأراضي السورية لتقليم أظافر المجموعات الكردية المسلحة، وتحرير المناطق المحاذية لحدودها من سيطرة تنظيم “داعش” الإرهابي. مقابل ذلك غضت تركيا النظر عن العمليات العسكرية الروسية في حلب، وصمّت آذانها عن سماع نداءات الاستغاثة من المقاتلين المحاصرين في حلب، والذين كانوا حتى وقت قريب، من أعزء حلفاء أنقرة. وعوضا عن الدور العسكري الذي كانت تقوم به سابقا، تكفلت تركيا حاليا بتقديم مساعدات إنسانية للمهجرين، وفتح حدودها لاستقبال اللاجئين.
التعاون الروسي التركي الذي تم اختباره في حلب بنجاح، يمكن أن يصبح نهجا دائما في سورية، ويفلح مستقبلا بإنجاز صفقات مشابهة، تنتهي بتسوية يرضى بها الطرفان؛ الروسي والتركي. تخيلوا!