في الوقت الذي كانت إدارة الجامعة الأردنية تعلن عن العقوبات التي اتخذتها بحق طلبة شاركوا في مشاجرة داخل حرمها قبل نحو شهر، اندلعت مشاجرة أخرى في جامعة اليرموك!
ليبدو ذلك مؤشراً على أنه بالرغم من كون العقوبة ضرورية، ولأقصى درجة ممكنة، لردع ودرء كل أنواع العنف الجامعي، فإنها تظل غير كافية لكبح جماح شباب لا تتوقف “غزواتهم”!
المشكلة في الجامعات -وتحديدا كلياتها الإنسانية التي هي من تشهد عادةً المشاجرات- متعددة الأسباب. كما أن ما يحدث داخل الحرم الجامعي لا ينفصل عن ظاهرة العنف التي يعاني منها المجتمع بشرائحه كافة.
بشكل مبدئي، فإن العقوبات التي اتخذتها إدارة “الأردنية” محمودة، لأنها تؤكد أساساً على فكرة سيادة القانون، وتستخلص النتيجة الصحيحة من قاعدة “مَن أمن العقاب أساء الأدب”. إذ لعبت الواسطة والمحسوبية، في تجارب سابقة، دورا شيطانيا في تحصين شباب أساؤوا لأنفسهم أولاً، ثم لجامعاتهم، وفوق ذلك الإساءة لصورة المجتمع ككل.
لكن ما دام العقاب وحده لا يقي من شر تكرار هذه المشكلات، بشكل يومي في بعض المراحل، فيكون بدهياً أن علينا التعاطي مع الجذور غير المرئية، إنما المعروفة تماماً.
للحالة مسببات تبدأ من قبول المجتمع بشكل عام لفكرة التعنيف على اختلاف درجاته. فالأسرة تعنف لفظيا، وحتى جسديا. وكذلك هو الواقع في المدارس عموماً، والتي تخرّج أيضاً أجيالا لا تعي حقاً أهمية التعلم والإنتاجية، بعد أن فقد العلم قيمته خلال سنوات طويلة من تراجع العملية التعليمية.
هذه الاختلالات تبقي الشباب أسرى حلقاتهم الضيقة؛ سواء الأسرة أو العائلة الأوسع، وصولاً إلى العشيرة التي صارت في حالات كثيرة، للأسف، ملاذ هؤلاء الشباب إنما بشكل يناقض قيمها العريقة. وكل ذلك نتيجة “طبيعية” لغياب الأوعية الفكرية التي تستوعب طاقات أبنائنا إيجابياً، فينحازون من دون تعقّل لغرائزهم العنيفة.
أما البعد الآخر في أسباب ظاهرة العنف الجامعي، فيتمثل في البيئة التدريسية في الجامعات، ولاسيما في الكليات الإنسانية التي تقبل طلبة بمعدلات متدنية في كثير من الأحيان؛ كما لا توفر إداراتها، في حالات عديدة، كوادر أكاديمية وفق معايير لائقة؛ ولتجد بعضا من الأساتذة، بالتالي، لا يختلفون عن الطلبة في اصطفافاتهم الجهوية والعشائرية.
المناهج والمواد التعليمية كارثة أخرى. فمضمون الكتب تلقيني بحت، فيما “الأبحاث” تُشترى جاهزة من “مكتبات” تنتشر في كل مكان. فتكون الخلاصة: ما أهمية العلم والتعلم؟!
ملف العنف الجامعي معقد، تماما مثل كثير من المشاكل الأخرى التي تواجه وطننا. ومن ثم، فلا يوجد حل مباشر لها، يؤدي إلى انتهائها سريعاً. وهكذا، فإذا كانت العقوبات ضرورة، كما ذكرنا، فإنها في الوقت ذاته لا تكفي لتحصين شباب آخرين من التورط في العنف، ناهيك عن الوقاية من ظواهر أخرى، أسوأها الالتحاق بالتنظيمات الإرهابية.
مشكلة العنف الجامعي اتسعت لدرجة باتت بمثابة الوباء الذي يجتاح شبابنا. وبقدر استشعار الخطر، يعتريني أيضا الحزن على كثير من شباب اليوم، وقد صاروا، بسبب شدة الإهمال لهم والتقصير بحقهم منذ سنوات عمرهم الأولى، ضحايا للإرهاب والمخدرات والعنف والبطالة والفقر، وأسوأ منها، أو سببها الأساس للدقة، أنهم ضحايا الجهل. فمن ينقذ شبابنا الذين هم مستقبلنا؟!