لا يتعلق الأمر هنا بنبوءات المنجمين والفلكيين الذين يتحفوننا ليلة رأس السنة بتوقعاتهم الخائبة للعام التالي، وإنما بقراءة تحليلية شاملة لآفاق التطورات المحتملة على خشبة المسرح الدولي في العام المقبل، قامت بها وكالة “بلومبيرغ” الاقتصادية المتخصصة في مجال المال والأعمال. وهي وكالة موثوق بها، سبق لها أن توقعت في العام الماضي فوز دونالد ترامب وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
إذا صدقت نصف توقعات هذه الوكالة الأميركية الرصينة، وفق ما نشرته على موقعها قبل أكثر من أسبوع، وسمته دليل المتشائم للعام 2017، فإن الغيمة السوداء المقيمة التي زادت النفوس تجهماً والسماء تلبداً في الآونة الأخيرة، من شأنها أن تجعل الأوضاع الصعبة أكثر صعوبة، وأن تكسر التوازنات الراهنة بصورة فظة، وأن تعيد خلط الأوراق والمصالح والتحالفات، على نحو قد يجد الناس أنفسهم في عالم بالكاد يتعرفون عليه.
ومع أن توقعات “بلومبيرغ” تشمل معظم نواحي العالم، ولا تكترث إلا بالحد الأدنى بشؤون هذه المنطقة وشجونها المحزنة، فإن بعض ما ورد في رؤية الوكالة من قراءات استشرافية، سواء على الصعيد الاقتصادي أو على الصعيد السياسي، يدعو الى التشاؤم حقاً، ويحمل على الاعتقاد أن سلسلة من الهزات المتتابعة سوف تصل ارتداداتها العنيفة إلى الشرق الأوسط على نحو مباشر، الأمر الذي سيزيد الأجواء المكفهرة اكفهراراً مضاعفاً.
من تلك التوقعات أن حالة طوارئ وحظر للتجول سوف يتم فرضها في أميركا لوقف الاحتجاجات الاجتماعية ضد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وأن انشقاقات ستحدث في الكونغرس والحزب الجمهوري؛ وأن ترامب سيعترف بسيطرة فلاديمير بوتين على جزيرة القرم وأكرانيا وسورية، وفوق ذلك سيعلّق عضوية بلاده في كل من حلف شمال الأطلسي والأمم المتحدة. ولنا أن نتخيل أي أميركا هذه التي ستقود النظام الدولي بعقلية انعزالية مشوشة.
وليت الأمر يتوقف عند حدود الولايات المتحدة الأميركية التي إذا عطست أصيب العالم بالزكام؛ وإنما يتعداه إلى أوروبا، حيث تقول لنا مطالعات هذه الوكالة إن القوميين اليمينيين سوف يفوزون في الانتخابات المقررة العام المقبل، خصوصاً في فرنسا حيث ستحمل الصناديق ماري لوبين إلى سدة الرئاسة، وستجري استفتاءً للانسحاب من الاتحاد الأوروبي، فيما ستهزم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في الانتخابات الوشيكة ايضاً.
وهناك العديد من التوقعات الأخرى الأشد إثارة، ولا سيما في مجال الحرب الاقتصادية المتوقعة بين الصين والولايات المتحدة، في إطار سلسلة من ردود الفعل الانتقامية المتبادلة بين البلدين الأكثر عرضة للكساد والركود والتراجع الاقتصادي؛ وأن الأسهم الآسيوية ستهوي، وكذلك أسعار الذهب؛ وأن قراصنة ترعاهم دول سيعطلون البنية التحتية والإنترنت ومحطات الطاقة، وهو ما يمكن اعتباره حرباً عالمية إلكترونية.
إلا أن ما يهمنا أكثر من غيره بين هذه التوقعات، التي يختلط فيها الاقتصاد مع السياسة على نحو منطقي بارع، هو تسليم أميركا لروسيا بالسيطرة الكاملة من دون منازع على سورية، وحديث الوكالة عن مكاسب إيرانية إضافية في كل من العراق وبلاد الشام. وهي مسائل باتت أقرب إلى حقائق الأمر الواقع، ناهيك عن سيطرة طهران على مضيق هرمز.
ومن يرغب في جرعة تشاؤم إضافية، ما عليه سوى مراجعة توقعات نوسترداموس للعام المقبل، حتى يعاف المرء مواصلة القراءة، وربما يقفز من مقعده جراء ما يتربص به من مفاجآت مثيرة. إذ يخبرنا هذا الكاهن المولود في القرن السادس عشر بارتفاع حرارة الأرض، ونقص في المياه، وزيادة في التوترات، وبحروب بيولوجية وإرهاب، وضائقة مالية، وارتفاع في معدلات الفقر والبطالة، ولحسن الحظ لم يقل لنا شيئاً عن الأسعار والضرائب المنتظرة.
خلاصة القول، إن النفوس الملتاعة في هذه المنطقة المستباحة، لديها ما يكفيها وأكثر، من لواعج مؤلمة وجراح غائرة؛ وعندها ما يفيض على العالم من يأس واحباطات قاسية، ونبوءات متطيرة، تجعلنا نترحم كل سنة على السنة التي سبقتها، وبحيث لم يعد الواحد منا بحاجة إلى دليل تشاؤم للعام المقبل، وهو يرى التطورات السلبية من حوله تسير من سيئ إلى أسوأ.