عروبة الإخباري- أربع ساعات توقفت خلالها العمليات العسكرية، سادت حلب حالة هدوء لم تشهدها منذ أكثر من أربعة أعوام، استعد الجميع لبدء تنفيذ بنود الاتفاق الذي توسطت تركيا لإبرامه، والقاضي بإخراج المسلحين إلى ريفَي حلب الشمالي والغربي، قبل أن ينهار في اللحظات الأخيرة وتعود جبهات القتال إلى الاشتعال، بالتوازي مع حراك سياسي أدت فيه أنقرة دوراً محوريا، يبدو أنه لم يثمر اتفاقاً جديداً.
مصدر سوري معارض أشار خلال حديثه إلى «السفير» إلى أن أحد أبرز أسباب سقوط الاتفاق هو تعنت الشق «القاعدي» في الفصائل المسلحة المحاصرة، حيث رفضت عدة فصائل القبول بالخروج من حلب بـ «ذل» بعدما دخلتها «فاتحة»، مضيفاً «كذلك لم يقبل هذا الشق المتشدد بالمفاوض الذي تم تعيينه من دون الرجوع إليها، الأمر الذي أسقط الاتفاق». ويتوافق حديث المصدر المعارض مع تصريحات عدة فصائل داخل الأحياء المحاصرة أبرزها «حركة نور الدين الزنكي» التي نفت موافقتها على الاتفاق.
الحكومة السورية من جهتها، فور سقوط الاتفاق، أعادت تنشيط العمليات العسكرية. قصف مركّز استهدف مواقع المسلحين في المنطقة الصغيرة التي يسيطرون عليها والتي لا تتجاوز مساحتها الثلاثة كيلومترات مربعة، كما أبلغت الجهات المفاوضة أن الاتفاق سقط بالنسبة إليها، وأن أي اتفاق مستقبلي يجب أن يكون أوسع من مدينة حلب، ليشمل على الأقل قريتي كفريا والفوعة المحاصرتين في ريف إدلب، إضافة إلى إطلاق سراح أسرى الجيش السوري الموجودين لدى المسلحين وجثامين الشهداء.
في هذا السياق، يرى مصدر مواكب للمفاوضات أن كلاً من روسيا وإيران وسوريا متفقة على ضرورة أن ترضخ الفصائل المسلحة لهذه الشروط إن أرادت تفادي الموت، خصوصا أن قبول موسكو بفتح ممرات آمنة للمسلحين خلال الاتفاق السابق جرى بـ «معية تركية»، وضغط بريطاني، حيث قدمت أنقرة عدة ضمانات لتنفيذ بنود الاتفاق، ليتبين في ما بعد أن الفصائل المسلحة لم تلتزم بتنفيذ بنود الاتفاق وقامت بخرقه، ما أعاد الحديث مرة أخرى إلى ميدان القتال.
وفي وقت جرى فيه الحديث عن أن طهران هي من عرقل الاتفاق الماضي، أكد مصدر سوري أن موسكو، منذ بدء العملية العسكرية في حلب بعد تعنت المسلحين، اقتنعت بضرورة استسلامهم، خصوصاً أن نقلهم إلى منطقة سورية أخرى سيساهم بإطالة أمد الحرب، موضحاً أنه «برغم انها (موسكو) اقتنعت بالاتفاق وسعت لتنفيذه فعليا أملا بإنقاذ ما تبقى من مدنيين محاصرين، إلا أن خرق المسلحين للاتفاق بمراحله الأولى دفع موسكو بداية لإسقاطه فورا، ليجري بعد ذلك الحديث عن توسيع نطاق المفاوضات لتشمل مناطق أخرى، بالتشاور والاتفاق مع كل من دمشق وطهران».
وتفند ردة الفعل الروسية صراحة هذه المزاعم، حيث سارعت وزارة الدفاع الروسية إلى إصدار بيان أكدت من خلاله أن المسلحين في حلب «استأنفوا القتال فجرا لكن القوات الحكومية السورية تصدت لهجماتهم».
بدوره، انتقد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف موقف «الهيئة العليا للمفاوضات» التي تساهم في مماطلة عملية المفاوضات، وقال في كلمة ألقاها أمام المشاركين في منتدى «الحوار من أجل المستقبل» في موسكو أمس، إن هذه «الهيئة» تضم شخصيات في الخارج ليس لهم نفوذ كبير على ما يحدث «على الأرض» في سوريا، إلا أنهم يتلقون دعما كبيرا من قبل مجموعة «أصدقاء سوريا».
و شدد لافروف خلال حديثه على أن الجانب الروسي يجري محادثات مع كل الجماعات المسلحة الموجودة «على الأرض» باستثناء تنظيمي «داعش» و «جبهة النصرة» الإرهابيين، مضيفاً أن روسيا تجري كذلك حوارا مع كل دول المنطقة.
وأشار إلى أن التعاون مع تركيا حول سوريا يمكن أن يكون أكثر فعالية، موضحاً أن موقف واشنطن في المفاوضات مع روسيا بشأن سوريا يعتمد على رغبتها في تجنيب «جبهة النصرة» الضربة، واصفا هذه المفاوضات بأنها «جلسات عديمة الجدوى».
وتابع «إنهم (الولايات المتحدة) لا يزالون يمتنعون بكل الطرق عن استهداف مسلحي جبهة النصرة، أي أن ذلك يعني أنه بعد تكوين القاعدة وداعش، يساعد الأميركيون الآن عن قصد أو من دون قصد لخلق تنظيم همجي آخر سيقوم بتنفيذ أعمال إرهابية بشعة عشوائيا في كل أنحاء العالم».
سقوط الاتفاق الأولي، أو توقفه، وعودة الاشتباكات مرة أخرى، قوبل بردة فعل عنيفة من الفصائل المحاصرة، عشرات القذائف طالت أحياء مدينة حلب، سواء الغربية، أو حتى الشرقية التي سيطر عليها الجيش السوري مؤخراً، ما تسبب بوقوع عدد من القتلى والجرحى.
وذكر مصدر إغاثي سوري أن أربعة مواطنين قتلوا جراء سقوط قذائف متفجرة على معبر بستان القصر خلال عودتهم إلى منازلهم بعدما قام الجيش السوري بتأمينها، مشيراً إلى أن منطقة بستان القصر كانت تمثل في المرحلة السابقة أحد أبرز مواقع إطلاق القذائف على الأحياء السكنية في الشق الغربي من حلب. كذلك، قُتل مواطنان وأصيب آخرون جراء سقوط قذائف متفجرة على حي الخالدية، فيما سُجلت إصابات وأضرار مادية نتيجة سقوط القذائف على حي الفرقان، وشارع النيل.
إضافة إلى ذلك، حاول المسلحون استهداف مواقع الجيش السوري بالسيارات المفخخة، حيث فجر انتحاري مصري الجنسية نفسه قرب أحد مواقع تمركز القوات الحكومية في منطقة جسر الحج، كما تم تفجير سيارة مفخخة مسيرة عن بعد وفق مصادر «جهادية». إلا أن مصدرا عسكريا سوريا أكد خلال حديثه إلى «السفير» أن قوات الجيش السوري تمكنت من استهداف السيارتين وتفجيرهما قبل أن تصلا إلى مواقعها.
وفي سياق متصل، ذكرت لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة حول سوريا في بيان، أنها «تلقت مزاعم بشأن مجموعات معارضة بينها فتح الشام الارهابية (النصرة سابقا) وأحرار الشام، تشير الى منعهم مدنيين من المغادرة، وأيضاً بشأن اختلاط مسلحي المعارضة بالأهالي ما يزيد من تعرض المدنيين لمخاطر القتل أو الاصابة».
وكان المتحدث باسم مفوضية الامم المتحدة لحقوق الانسان روبرت كولفيل قد ندد يوم الجمعة الماضي بقيام «جبهة فتح الشام وكتائب ابو عمارة « بإعدام مدنيين حاولوا الفرار مما تبقى من أحياء بيد المسلحين.
وبالعودة إلى الملف التفاوضي، ذكر المصدر المواكب للمفاوضات أن القوائم التي أعدتها الفصائل المسلحة أسقطت عمدا عشرات الأسماء لمسلحين من جنسيات غير سورية، سواء مصرية أو حتى شيشانية موجودة في الأحياء المحاصرة.
وأكد المصدر أن من بين المحاصرين شخصيات «جهادية» قيادية تعتبر من أخطر قيادات «القاعدة»، الأمر الذي يبدو أنه شكَّل دافعاً آخر لانهيار الاتفاق الأول وعودة الجيش السوري لحالة الهجوم مع أول خرق نفذه المسلحون للاتفاق.
على الصعيد السياسي، عادت تركيا مرة أخرى لتنشيط الملف التفاوضي على أعلى المستويات، لتشمل المحادثات هذه المرة إيران التي حيّدت خلال الاتفاق الماضي الذي تم بين موسكو وأنقرة.
الرئيس التركي رجب طيب اردوغان أجرى اتصالا هاتفياً بنظيره الروسي فلاديمير بوتين، حيث أكد الطرفان ضرورة وقف خروقات إطلاق النار في حلب، وأعربا عن استعدادهما لتسهيل استئناف إخلاء المسلحين والمدنيين «بأسرع ما يمكن» من شرق حلب.
وأكد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أنه أجرى اتصالات مع الجانب الإيراني، معلناً عن لقاء بين روسيا وتركيا وإيران سيعقد في موسكو في 27 كانون الأول الحالي للبحث في سبل التوصل الى حل سياسي للنزاع في سوريا.
وفي وقت متأخر من ليل أمس، أعلن المتحدث باسم «حركة أحرار الشام» المقرّبة من تركيا احمد قره علي، التوصل لاتفاق جديد سيدخل حيز التنفيذ خلال ساعات، موضحاً أن الاتفاق يتضمن وقف إطلاق النار في حلب وإخراج أول دفعة من الجرحى والمدنيين في ساعات الصباح الباكر من هذا اليوم. فيما ذكر مسؤول سوري أن اتفاق الهدنة بات سارياً، لافتاً إلى أنه بموجب الاتفاق الجديد فإن نحو 15 الف شخص سيغادرون قريتي كفريا والفوعة المحاصرتين من قبل مقاتلي «المعارضة» في ريف إدلب، على أن يتم ذلك مقابل خروج المسلحين وأسرهم وأي شخص يريد المغادرة من المدنيين من حلب باتجاه محافظة إدلب.(السفير)