عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب – لم تكن اثيوبيا من قبل في اهتماماتي .. وكل ما كنت أدركه عنها ان اسمها ” الحبشة ” له ايقاع خاص لعلاقتها بالاسلام والعرب في الجزيرة منذ فجر الاسلام حين رحّل الرسول (ص) صحابته المطاردين الى بلد وصف ملكه أنه لا يظلم عنده أحد وما سمي لاحقا بـ ” غزوة الفيل ” الواردة قصتها في القرآن الكريم عن غزو قام به ابرهة الاشرم قادما من اليمن ومقولة عم الرسول (ص) ابو طالب : ” للبيت رب يحميه ” أما الابل فهي لي وعادت بي الذاكرة عن الحبشة حين سقط حكم الامبراطور ” هيلاسيلاسي ” عام 1974 على يد الانقلابيين الشيوعيين بقيادة العسكري ” منغستو هيلا مريام ” يومها لفت ذلك انتباهي كصحفي كنت اعمل في ليبيا ورغبت ان ازور اديس ابابا لكني لم اتمكن وقد راقبت كيف كانت صور ماركسيولينين تغطي الشوارع وتغطي الجوع وغياب الديمقراطية وقد أخذ حكم الشيوعيين اثيوبيا الى التعتيم, ولم يقدم حلولا وازداد فقر الفقراء فقرا.. حتى تغير النظام وهرب منغستو خارج البلاد ويتولى رئيس وزراء جديد هو زيناوي.. الذي حكم فترة تزيد عن عشر سنوات فيها استقرار ونمو ولم تتجاوز معلوماتي كثيرا ما جاء في نشرات الاخبار من ان اثيوبيا تستهدف النيل باقامة سد عليه يمتص الكثير من مياهه وخاصة مصب النيل الازرق الرافد الاكبر للنيل .. وما كتب كان وجهات نظر مختلفة ومتباينة بين ما يقوله المصريون والعرب وبين ما تقوله اثيوبيا وقد عجز النظام العربي الذي افتقد لقيادة مثل قيادة عبد الناصر من ان يعيد تجسير العلاقات مع افريقيا التي تخلت عن القضايا العربية بعد ان بلغت الذروة في مناصرتها لهذه القضايا عام 1973 وفي حرب اكتوبر المصرية الاسرائيلية.
تراجعت العلاقات كثيرا وخاصة بعد محاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك الذي استفادت منه اطراف وخسرت مصر واثيوبيا علاقات ظلت توصف بالجيدة.
وبقي اسم اثيوبيا عالقا في الذهن لاحتضانها منظمة الوحدة الافريقية التي ارتبط نشوءها باسم اديس ابابا.
اثيوبيا اليوم والتي بدأ اهتمامي بها إثر زيارة رتبها لي الصديق ورجل الاعمال العربي البارز الشيخ شاهر عبد الحق .. الذي احب تلك البلاد وقدر دورها واهميتها واحب اعادة ربطها بالعالم العربي حيث المجال التاريخي و الجغرافي والحيوي.. كون اليمن واثيوبيا متقاربتين وكون البحر الاحمر فاصلا وموصلا تاريخيا .. وكون جزء من حضارة مشتركة بين اثيوبيا والبلاد العربية قائمة وما زال يجري التعبير عنها في التاريخ والجغرافيا واللغة والاديان.
تحمست لفكرة زيارة اثيوبيا وسافرت الى اديس ابابا عن طريق القاهرة .. وفي العاصمة كان علي ان اتجول وان اقرأ وأشاهد.. أمضيت اسبوعا تعرفت على بعض الملامح وزرت مواقع جبلية وكنيسة ظل الامبراطور الاسبق والذي بعده يقيم الى جوارها.. ويعيش في بيت ريفي اقيم في الموقع.
زرت متحف اديس ابابا وهو المتحف الوطني لأشهد قصة اقدم انسان بشري عرفه التاريخ يمتد عمره لأكثر من مائة الف سنة وقد وضعت جمجمته في خزانة زجاجية شفافة واشير في موقع اخر الى اعتدال رجليه وانتصابهما كما الانسان اليوم ويعتبر هذا الانسان اقدم انسان بشري عرف وهو يسبق ما اكتشف في اندونيسيا وفي المانيا. والمتحف يضم مجسمات اصلية متحجرة او باقية منذ مئات السنين على شكل هياكل عظمية لحيوانات انقرضت وديناصورات لم يبق الا قصصها..
العاصمة اديس ابابا تخرج من التاريخ بخطى بدأت تتصاعد ففي سماء العاصمة مئات الكرينات المنصوبة لبناء مباني جديدة رسمية وغير رسمية واستثمارية ومنشآت عديدة مما يدلل على التوجه الجديد للحكم القائم في احداث تنمية وتطور واللحاق ببلدان سبقت اذ يحرص النظام الجديد على ضرورة صهر المكونات الاثيوبية جميعها سواء الدينية او اللاتينية او العرقية في بوتقة واحدة لضمان الامن والاستقرار وبناء التنمية رغم ان هناك من يعارض ويحتج ويحدث الاضطرابات التي تعاملت معها الحكومة وما زالت تتعامل متطلعة الى نزع فتيل الاضطرابات والى اشراك كافة المكونات الدينية والقبلية والعرقية في الحكومات بما يتناسب والتطور السياسي والاجتماعي والحضاري .
في التركيبة الجديدة احداث للانصاف ان لم نقل المساواة بين المكونات المختلفة ويجد المواطن الاثيوبي على اختلاف انتماءه الجغرافي والعرقي انه قادر على المشاركة والتكيف , ما زالت البلاد فقيرة وما زالت تعتمد على الزراعة الى حد كبير , وما زالت هذه الزراعة لم تدخل مرحلة التكنولوجيا في عمومها او التصنيع الزراعي بمعناه الحديث , وما زال الفلاحون الاثيوبيون منذ فجر التاريخ حتى اليوم ينتشرون في بلادهم ويكررون نفس الانماط والاشكال الزراعية , وما زال الريف لم يتدفق بعد الى العاصمة كونه منتج خلاف ما حدث في مصر , حيث تضخمت العاصمة كثيرا على حساب الارياف .
قابلت مسؤولين اثيوبيين على اطلاع جيد بالوضع الداخلي , وقد شرحت لي احدى الشخصيات المهتمة بالاستقرار طبيعة الوضع وتركيبته وجرى تزويدي بعشرات الكتب والنشرات التي تتناول مختلف الشؤون الاثيوبية وكيفية تجديد الاطلالة على العالم العربي اعلاميا ان كان عبر الكتابة او التلفزيون او الصحافة , وقد اقترحت ان يوضع كتاب عن اثيوبيا يتناول كل جوانب الحياة فيها سواء التاريخية او المعاصرة وعن العادات والتقاليد والعلاقات الافريقية الدولية والعربية وعن كنوز السياحة والاماكن الطبيعية والمحميات والاماكن الاثرية والمياة و السدود والعجائب و الغرائب من حيوان وطيور وغابات و عن الانسان الاثيوبي و دوره و تدينه وعن انظمة الحكم التي تولت , و رايت ان هذا المدخل هو الافضل للتعريف بالبلاد و الكتابة عنها , و بث الصور في ثنايا الكتاب لتكون شاهدا على ما رايت وكتبت وعلى تجوال مستمر .
كان عليّ ان ازور اثيوبيا مرة اخرى و ان يتاح لي المجال للتجوال الاوسع بعيدا عن العاصمة وصولا الى مواقع مهمة ما زال العالم لا يعرفها كثيرا او ما زال يسمع عنها القليل ولا يقرأ عنها بما يكفي .
أثيوبيا كنوز تاريخية بحاجة الى التعريف بها فيها اقدم الممالك وهي واسطة العقد الافريقية و مخزن المياة , حيث الطبيعة الخلابة والمحميات الكبيرة .
لدي في الاجندة اكثر من عشرين موقعا بعضها بعيد عن العاصمة اكثر من 700 كم وبعضها اقرب ولكنها جميها جديرة بالزيارة والتصوير والتعرف عليها والكتابة عنها للقراء .
لا ازعم انني استطيع في زيارة او حتى اثنتين او ثلاثة الاحاطة بكل هذه الكنوز والوقوف عندها وعليها , كما لا ازعم انني استطيع ان اتعرف بدقة وتفصيل و تخصص على العادات والتقاليد و الفلكلور والغناء و الزواج وفنون الحرب والقتال او حتى دور العبادة من مساجد ابرزها مسجد النجاشي في الشمال الشرقي في مملكة اكسوم او الكنائس المنحوتة في الصخر باعدادها التي تزيد عن اصابع اليد والتي هي من عجائب الدنيا التي قد تاخذ رقم ثمانية ولكنني احاول واسرد مشاهداتي واربط بما قرات واربط بين التاريخ والمعاصرة واتعرف على نظام سياسي يريد الانفتاح و مخاطبة العالم والمشاركة معه ويريد المزيد من الاستقرار و المشاركة والديمقراطية واستكمال بناء المؤسسات .
ما زالت اثيوبيا فقيرة وما زال الدخل القومي لبلد مساحته تزيد عن مليون ميل مربع وعن ( 92 ) مليون نسمة لا يتجاوز ( 7 ) مليار دولار وهو نفس الرقم وربما يقل عن الدخل القومي الاردني لبلد لا يزيد عدد سكانه عن ( 7 ) مليون نسمة لنلحظ تدني دخل الفرد في اثيوبيا بشكل لافت رغم ارقام النمو التي بدأت ترتفع لتصل الى 7 % و 8 % و تزيد .
اثيوبيا واعدة و تمد يدها للجميع في العالم للشراكة و الاستثمار والمساعدات , وهي تريد ان تدخل مرحلة جديدة في هذا المجال , و لذا فان المطلوب عربيا التوجه الى اثيوبيا و فتح المجال معها خاصة في ميادين الزراعة و تربية المواشي , فهي خزان لذلك يمكن التصدير منه للعالم العربي .
في زيارتي احمل ترويجا لصناعات اردنية ابرزها الاسمدة التي تبحث عن اسواق والسوق الاثيوبي واعد , وعن ترويج للمستشفيات الاردنية والطباعة و تعاون في مجالات اخرى , و اتطلع ان يكون لهذا البلد الهام والكبير سفارة في الاردن , وسفارة للاردن في اثيوبيا , حيث يقتصر التمثيل على سفارة اثيوبية في القاهرة .
سأكتب للقراء بالتفصيل عن زيارتي الجديدة التي تبدأ الخميس 15 / 12 / 2016 , وتمتد الى زمن وسوف استمر على دهشتي بأثيوبيا وطبيعتها و موروثها التاريخي الخصب وتطلعها للخروج من الماضي الى الحاضر , فالمستقبل متخففة من الفقر والبطالة والامية .
هذه الارض كان فيها ملك لا يظلم عنده احد , فهل تعود هذه المقولة الى سياقها و يتطور الوضع , وتبدأ رحلة الالف ميل التي يعمل الاثيوبيون اليوم على البدء فيها , بكل الاثيوبيين على اختلاف انتمائهم و اعراقهم وقبائلهم حتى لا ترجح كفة على حساب كفة اخرى , او تحكم فئة على حساب اخرى , انه الامتحان الذي تواجهه اثيوبيا والذي استعدت لدخوله وما زالت الان .
سأكون ممتنا لاولئك الذين دعوني ووفروا لي اسباب الزيارة والتجوال و المعرفة, ووضع الحصيلة في كتاب باكثر من لغة اتمنى ان يرى النور قريبا , لنضع لبنة اخرى في بناء العلاقات العربية الاثيوبية .
رحلتي في اثيوبيا.. ما زلت أعيش الدهشة !!
22
المقالة السابقة