عروبة الإخباري – بعيدا عن المجاملة أو المواربة يكشف رئيس مجلس إدارة شركة مناجم الفوسفات الأردنية، المهندس عامر المجالي، عن جملة من الحقائق، وكثير من الوقائع عن واقع الشركة التي يرأس مجلس إدارتها منذ نحو 3 سنوات.
والمجالي، ورغم تعرضه للضغوط الكبيرة، إلا أن بوصلته كانت حقوق المساهمين والموظفين في الشركة التي نزفت الكثير من مواردها المالية جراء سوء الإدارة والفساد والهدر، ناهيك عن خسارة الشركة للكثير من اسواقها الحيوية، الأمر الذي جعل المجالي يبدأ عملية “بيروسترويكا” أو إصلاح هيكلي وتنظيمي في خططها وسياساتها الاستراتيجية لإعادة الشركة إلى ما كانت عليه!!.
تحقق ما تحقق، لكن يبقى الكثير، من الأهداف الغايات، التي تحتاج إلى مساندة حكومية وعدم إدارة الظهر أو تجاهل هذه المؤسسة التي تعد أحد أعمدة الاقتصاد الأردني، ملوحا بالاستقالة في حال كان هو أحد عوائق مسيرتها ووصول سفينتها إلى برّ الأمان.
كشف رئيس مجلس إدارة شركة مناجم الفوسفات الأردنية، المهندس عامر المجالي، عن توقف مفاوضات التسوية المالية مع رئيس مجلس الادارة السابق، وليد الكردي، بعد إدانته في العام 2013، مشيرا إلى أن الأرقام التي دين بها جاءت قريبة من تقديرات الطرف الثالث وهو شركة متخصصة تم اعتمادها لتقدير حجم الضرر الذي وقع بالشركة.
وسبق أن أصدرت محكمة جنايات عمان خلال العام 2013، على رئيس مجلس ادارة الفوسفات الاسبق وليد الكردي حكما بالحبس، وبغرامة قدرها 253 مليونا و476 الف دينار، بجناية استثمار الوظيفة والمكرورة 13 مرة.
ولفت المجالي في مقابلة مع “الغد” إلى أن إدارة شركة الفوسفات التزمت الحيادية والشفافية، مبينا بأن كافة الجهود التي بذلت أثناء فترة المفاوضات مع رئيس مجلس الادارة السابق للوصول إلى تسوية لم تفلح رغم المعاناة.
وأكد المجالي، لـ “الغد”، بأنه كرئيس لمجلس إدارة الفوسفات تعرض لضغوط كثيرة خلال فترة المفاوضات مع الطرف الثاني، لكنه لم يعر لها بالا حماية لمصلحة المساهمين والأمانة”، مفضلا عدم الإدلاء بأية تفاصيل عن تلك الجهات التي ضغطت عليه.!!
كما كشف المجالي بأن الأمور لم تتوقف عند ذلك الحد، بل تمت متابعتها في كثير من النواحي للمحافظة على حقوق مساهمي الشركة، مبينا بأنه تم وبعد التدقيق في حسابات لدى إحدى الشركات التي تعمل بالتعدين ولعدة سنوات خلت وجدنا فروقات بـ 100 مليون دينار، مشيرا إلى استعانة الفوسفات بشركة متخصصة في هذا المجال عالميا، واتجهت الشركة لتحريك دعوى لدى المحاكم المتخصصة في ظل تعنت تلك الشركة ورفضها إعادة تصويب الأوضاع المالية التي هي ملك لشركة مناجم الفوسفات واستمرارها في رفض قبول أية حلول منطقية.
ولفت المجالي إلى أن إدارة الشركة عملت خلال الفترة الماضية، بمساعدة أهالي منطقة معان الذين يملكون آليات، بعمل ائتلاف والمنافسة في دخول العطاءات التي تطرحها الشركة وقد نجحوا في بعض تلك العطاءات وباتوا يعملون لصالحهم مباشرة دون الحاجة لتنفيذ عقود الباطن، ما اسهم في تحسين مستوياتهم المعيشية بشكل أفضل عما كانت في السنوات بل العقود الماضية.
وتابع المجالي قائلا: “عندما تسلمت مهامي منذ 3 سنوات انسحب المقاول SNC Lavalin الكندية الفرنسية، الذي لزّمته الادارة السابقة تنفيذ عطاء رفع انتاجية خطوط حامض الفوسفوريك في المجمع الصناعي في العقبة”.
لكن ذلك لم يثننا والمجلس عن ملاحقتها قانونيا وتحت إشراف فريق من المحامين الانجليز لتنفيذ التزاماتها والقاضية وفقا للعقد الملزم له بتحديث وحدات انتاج السماد لخفض انبعاثات غاز الأمونيا للجو إلى أقل من 50 MG/NM3، مبينا بأن تلك الجهود تكللت بالنجاح ويتوقع تشغيل الوحدات 75 و76 ضمن الشروط البيئية المقبولة اعتباراً من الربع الثاني للعام المقبل، علماً أن الشركة تكبدت التكاليف والخسائر والوقت لغايات التحديث وعمل التوافق مع المتطلبات البيئية.
وأشار المجالي الى أن الأمر لم يتوقف فقط عند المتابعات القضائية؛ حيث تم “وضع حل جذري وبدون تكلفة إضافية على الشركة، كالعقود التي كانت مبرمة مع الشركة الهندية (Wharton Overseas)، عبر تسوية بقيمة 2 مليون دولار بعد ان كانت الشركة الهندية تطالب شركة الفوسفات بمبلغ حوالي 6 ملايين مليون دولار”.
وأشار إلى أن شركة مناجم الفوسفات الاردنية خرجت خلال السنوات الماضية من أسواق مهمة كاسواق شرق أوروبا، واستراليا، مبينا بأن ادارة الشركة اليوم استطاعت العودة اليها مجددا معتبرا ما حدث أمرا في غاية الاهمية بمسيرة الشركة، سيما وأنها باتت تمتلك قنوات تسويقية مهمة مع المستوردين في تلك الدول.
إرث الماضي والمستقبل
وحول واقع شركة مناجم الفوسفات الاردنية، قال المجالي “لقد ورثنا اتفاقيات عمالية وعقودا من ادارات سابقة كلفت الشركة اكثر من 150 مليون دينار”.
وتابع قائلا: “بالاضافة إلى الشراكات التي كانت غير مبنية لصالح شركة مناجم الفوسفات مع تلك الشركات الى جانب تقصير في تطوير الأجهزة والمعدات التي تستعمل بخطوط الانتاج لفترة تزيد على 30 عاما في ظل فترات الرواج التي شهدتها صناعة الفوسفات عالميا في 2008 واستغلالها بدلا من معاناة الشركة حاليا، ورغم تدهور اسعار هذه السلعة عالميا جراء الدورات الاقتصادية وتحديثها لتلك الخطوط لادامة الانتاج والمنافسة”.
وحول تراجع أرباح الشركة بصورة كبيرة، قال المجالي “أولا لدى الشركة شركات تابعة وحليفة وهي مدمجة في ميزانية الشركة، وبالتالي لو تم تحليل ميزانياتها لوجدنا أن الشركة تحقق أرباحا، لكن الشركات خسرت وطبعا خرجت في الميزانية وهو أمر طبيعي”.
وأضاف “الأمر الثاني الهبوط الكبير في الأسعار، وقد اعتادت هذه الصناعة على التباين في الاسعار، وفقا لعوامل العرض والطلب والدورات الاقتصادية العالمية”.
وبين “منذ بدء التراجعات في الأسعار عملنا بمنتهى الشفافية وحتى خلال انعقاد الهيئة العامة بيّنا أن أسعار الفوسفات انخفضت بنسبة تصل الى 30 % ، واليوم منذ ذلك التاريخ نتحدث عن هبوط بنسبة تصل إلى 40 %، وكنا حينها عرضنا التحديات قبل الايجابيات في ظل رؤيتنا لما يحدث بالأسواق العالمية والتراجعات التي رافقتها في مختلف أسواق السلع والنفط”.
لذلك، إن الدول التي لديها مصادر رخيصة من الطاقة، تؤثر كثيرا على انخفاض أو ارتفاع أسعار الأسمدة والفوسفات الخام، ويزيد من الضغوطات باتجاه انخفاض الأسعار تراجع المواد الأساسية في العالم، الأمر الذي تشهده الأسواق في الوقت الحالي.
وأضاف أن لأسعار الأسمدة المركبة التي تعتمد على منتجات الفوسفات منافسة مع الأسمدة النيتروجينية التي تعتمد في إنتاجها على الغاز الطبيعي، والمرتبط سعره بأسعار النفط؛ حيث سجلت هبوطا في السوق العالمية، تبع ذلك هبوط مواز وحتمي للأسمدة الفوسفاتية.
وأشار إلى أن انخفاض أسعار النفط يؤدي بالنتيجة إلى انخفاض أسعار الأسمدة النيتروجينية، وبالتالي الاقبال على شرائها من قبل المزارعين، ويؤدي إلى تراجع الطلب على باقي الأسمدة، وهو ما تمر به الأسواق حاليا؛ حيث أدت هذه الحالة إلى تراجع حاد في أسعار الأسمدة الفوسفاتية والبوتاسية.
وعاد المجالي للقول: “عندما كانت فترة الازدهار كان ينبغي تحديث المجمع الصناعي في العقبة ليتمكن من انتاج أنواع جديدة من الأسمدة وتشغيله بالطاقة التصميمية له وتعزيز الوحدات الانتاجية والخدمية”.
وبين “أن شركة مناجم الفوسفات الاردنية تواجه منافسة شرسة من شركات أخرى تتمتع بامتيازات واعفاءات لا تتمتع بها شركة الفوسفات، بل على العكس فإن شركة الفوسفات تعاني الأمرين من بعض الجهات المسؤولة”.
وأشار إلى أن مجلس الإدارة لا يألو جهدا، فقد باشرت الشركة في إعادة الهيكلة التي أوصى بها مستشارون دوليون استقطبتهم الشركة، وتم التوافق مع النقابة العامة للعاملين في المناجم والتعدين على استفادة 900 عامل وموظف من أنظمة الحوافز برغبتهم بعد حصولهم على مجموعة من المزايا المالية، كما قامت الشركة بتصويب التشوهات الواردة على الأنظمة التي تخص العمال والموظفين لترشيق كادرها وبما يخدم عملية الانتاج وضبط التكاليف لتبقى في المنافسة عالميا.
الى جانب إعادة هيكلة الملكية للشركات الحليفة لتقليل تأثيرها على النشاط المركزي لشركة الفوسفات. وفي الوقت نفسه، تدرس انتاج منتجات سمادية جديدة تكون ذات قيمة مضافة عالية وتحظى بطلب مرتفع في السوق العالمية، بحسب المجالي.
إنجازات الإدارات السابقة:
واعتبر المجالي أن للإدارات السابقة إنجازاً مهماً يتمثل بإنشاء شركة مشتركة مع اندونيسيا لإقامة مصنع حامض فوسفوريك تكون شركة الفوسفات مسؤولة عن تزويدها بالفوسفات الخام لمدة 20 عاما قابلة للتجديد، مشيرا إلى أنه قد تم البناء على ما سبق في التوسع والنهج، بالاستفادة من الملاحظات التي ظهرت في المشروع الأول، وتم تعديلها في المشروعين التاليين المنوي تنفيذهما، وتم التوقيع على اتفاقيتين لإقامة مصنعين آخرين في اندونيسيا مايز الان حتى اللحظة تحت الدراسة.
خسائر الشركة:
وبالعودة الى خسائر الشركة التي منيت بها، قال المجالي: “كنا أمام خيارين الاستمرار في الانتاج في ظل تراجع الاسعار وتحمل الدورة الاقتصادية الصعبة وتحقيق خسارة في انتاج الاسمدة والبقاء في الاسواق العالمية مع الإبقاء على العاملين أو وقف العمل وما يترتب عليه من تسريح موظفين وخسارة أسواق تصديرية وفتح المجال أمام المنافسين الذين ينتجون بتكلفة اقتصادية متدنية، لعوامل عديدة منها الطاقة الرخيصة ووجود خامات قريبة من السطح ودعم حكوماتهم لهم، لكن فضلنا الخيار الأول لأن آثار الخيار الثاني المتمثل بتوقف الانتاج، ستكون كارثية اجتماعيا واقتصاديا”.
وبين أن شركة مناجم الفوسفات الاردنية زادت حصتها في السوق العالمي حيث كانت الصادرات لعام 2013، ما مقداره 2.3 مليون طن وبنسبة 12.4 % من حصة السوق العالمي، مشيرا الى أن حصتها واصلت الارتفاع حيث ستصل مع نهاية العام الحالي الى 18.2 % من السوق العالمي.
وحول حديثه عن دور الحكومات في الشركات المنافسة والجهود التي يمكن للحكومة القيام بها، ذكر المجالي: “في المرحلة الحالية يوجد العديد من التحديات وتحتاج إلى المساعدة والدعم والتدخل المدروس لاستمراريتها، وخصوصا مع عدم حصولها على مناطق تعدين جديدة ورخص تعدينية لتقليل تكلفة استخراج الفوسفات، والإيفاء بالتزامتها التعاقدية سواء أكان من حيث النوعية أم الكمية أو حتى الايفاء بالتزاماتها تجاه شركائها، فبحصولها على رخص تعدين جديدة ستكون الشركة قد قطعت شوطا كبيرا بالاتجاه الايجابي”.
تضارب الصلاحيات بين الحكومة و”السلطة”:
وتعرض المجالي الى “مشكلة الغرامات المترتبة على شركة الفوسفات من قبل شركة تطوير العقبة وسلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة، نتيجة لتمديد تاريخ تسليم ميناء الفوسفات القديم للمستثمر شركة المعبر، وقد كانت شركة الفوسفات جاهزة لعملية التسليم هذه والعمل ضمن منظومة ميناء الفوسفات الجديد الذي كلفته مئات الملايين، مبينا أنه ونتيجة لقرارات رئاسة الوزراء السابقة باستمرار تدفق الفوسفات عن طريق سكة حديد العقبة إلى ميناء الفوسفات القديم لغايات تشغيل السكة وعدم تسريح أكثر من 700 عامل تحملت شركة الفوسفات تكلفة رواتبهم وتكلفة تشغيل الميناء والتي تقدر بـ 2 مليون دينار سنوياً”.
واشار إلى أن شركة الفوسفات تدفع ضريبة تضارب الصلاحيات بين الحكومة الأردنية ممثلة برئاسة الوزراء وسلطة منطقة العقبة الاقتصادية وشركة تطوير العقبة وتستمر مشاكل الشركة عالقة دون حل نتيجة لتضارب هذه الصلاحيات والتي تنعكس سلباً على علاقتها مع المقاولين والجهات الأخرى التي تضع الشركة في مشاكل قانونية واجراءات قضائية هي في غنى عنها ولم تكن السبب فيها”.
واستطرد المجالي بالحديث قائلا: “طلبت من الهيئة العامة للشركة في آخر اجتماع لها أن أترك منصبي كرئيس لمجلس الإدارة إلا أن كبار مساهمي الشركة أصروا على انتخابي وبأعلى الأصوات، وأنا قبلت بكل سرور هذا التكليف للمحافظة على الشركة ومقدراتها، وأنا على يقين أنه وبمساعدة الحكومة بالحصول على مناطق تعدين جديدة ومع أي تحسن في مستوى الأسعار، ستتمكن الشركة من العودة إلى قوتها، لاسيما مع تراجع جودة الفوسفات الذي يتم انتاجه حاليا في العالم واستنفاد الفوسفات عالي الجودة وعالي التركيز”.
وذكر أن “شركة الفوسفات راسخة وتعد من أهم أعمدة الاقتصاد الوطني، وتحتاج إلى وقفة حكومية جادة ومغادرة الموقف الصامت والسلبي إزاءها، لما للشركة من أهمية في رفد الاقتصاد الوطني وتشغيل العديد من القطاعات في مختلف المجالات، كما انها توظف مئات الآلاف من أبناء الوطن”.
وأضاف أنه: “في حال تجاهل هذه الصناعة، من خلال تجاهل شركة الفوسفات والعبور بها إلى بر الأمان، فإني على استعداد أن لا أكون عائقا أمام تقدم الشركة وعلى استعداد لوضع استقالتي امام مجلس إدارتها”.
وأشاد المجالي، بجهود الإدارة العليا والموظفين في تنفيذ الخطط التي وضعتها الشركة، من حيث كميات الانتاج والتسويق، على الطريق الصحيح، مشيدا، كذلك، بدور النقابة العامة للعاملين في المناجم والتعدين ومواقفها الداعمة للشركة وتقديرهم للظروف التي تمر بها جراء انخفاض الأسعار في السوق العالمية”.(الغد)