تحتفل مكتبة عبدالحميد شومان بمرور ثلاثين عاماً على تأسيسها. وهو أمر يستحق، بالفعل، الاحتفال والتكريم من قبل المجتمع الأردني عموماً، لهذه المكتبة والقائمين عليها، بعد أن تحوّلت إلى أحد معالم المشهد الثقافي الوطني بجدارة خلال العقود الماضية.
ضمن الاحتفالية، عقدت ندوة الثلاثاء الماضي في منتدى شومان، شاركت فيها مديرتان لمكتبتين مهمتين، هما الدكتورة سارة فيلدمان، مديرة مكتبة مقاطعة كاياهوغا في أوهايو بالولايات المتحدة الأميركية، والدكتورة هنالور فوجت، مديرة مكتبة كولونيا العامة في ألمانيا. وتحدثت الندوة عن دور المكتبة ومهماتها المجتمعية والثقافية والتنويرية، وعن المجهود الذي تقوم به المكتبات المتقدمة اليوم في الجمع بين المكتبتين الرقمية والتقليدية، ضمن آلية المواءمة بين عصرين معلوماتيين؛ المقروء والإلكتروني، وتنويع الخدمات التي تقدمها المكتبات.
مثل هذه الأفكار عن المكتبات وأهميتها عالمياً، مهمة جداً. ومن المفترض أن تكون ضمن اهتمامات الحكومة وأولوياتها، عندما نتحدث عن الثقافة المجتمعية والعامة، وعن دور الشباب ومكافحة التطرف والإرهاب، وعن العلاقة بين المجتمع والدولة، ومثل هذه القضايا التي أصبحت تقفز اليوم إلى أجندة الحكومات والخطاب الرسمي، مع بروز تحدّي التعامل مع الشباب ضمن الأخطار والتهديدات التي نراها جميعاً؛ من التطرف والإرهاب، إلى المخدرات والبطالة وأسئلة الهوية، وانهيار السلطات الأخلاقية المجتمعية… إلخ.
مكتبة عبدالحميد شومان (بمنتداها وخدماتها)، هي نموذج عظيم. فالمكتبة، منذ تأسيسها، أحدثت نقلة مهمة في دور المكتبات وتنوع خدماتها، ووفرت فضاءً حقيقياً للباحثين والقرّاء. وهي لم تقف عند حدود معينة؛ بل سايرت التقدم، وأدخلت الخدمات الإلكترونية في مرحلة مبكّرة، وكانت حريصة على توفير الكتب والمنشورات الجديدة، بالإضافة إلى عقد المحاضرات الأسبوعية، وإقامة الندوات، وعرض الأفلام العالمية، كما الخدمات المقدمة للأطفال الصغار.
مكتبة عبدالحميد شومان هي نموذج لما نطمح إليه من دور مجتمعي للمكتبات العامة، أولاً؛ ولدور القطاع الخاص في المجتمع، ثانياً، لنشر المعرفة والثقافة وتوسيع مساحة القراءة اجتماعياً، وتنويع الأنشطة إلى مختلف روافد الثقافة؛ القراءة والمعرفة، والموسيقى، والأفلام والفن، ولفئات المجتمع المختلفة، من الأطفال إلى كبار السّن.
وكما أشارت المتحدثة سارة فيلدمان، فإن من الضروري اليوم تطوير ثقافة الـ”e-book“، والكتاب المسموع، لتلبية حاجات ذوي الاحتياجات الخاصة أيضاً.
خلال الأعوام الماضية، نفذت وزارة الثقافة مشروع “مكتبة الأسرة”. وهو مشروع رائد، يهدف إلى توفير الكتب بأسعار رمزية. لكن إلى جوار هذا المشروع، من الضروري الاهتمام بتطوير ثقافة المكتبات والقراءة في المجتمع. وذلك لا يكون إلاّ بالتنسيق والتعاون بين المؤسسات المختلفة، لتطوير مكتبات البلديات الموجودة تقريباً في أغب المحافظات، لكنّها تتفاوت في الموارد والشروط والظروف المتاحة للقراءة.
ما أزال أذكر مكتبة أمانة عمان، التي لعبت دوراً مهماً، هي الأخرى، في الحياة الثقافية، وكنّا نلجأ إليها ونحن صغار لكتابة الأبحاث والتقارير المدرسية.
وتفاجأت خلال كتابتي لأطروحة الماجستير، بتوافر مجلة “المنار” كاملةً (1898-1935) في المكتبة، وكانت حينها -مع عدم توافر النسخة الإلكترونية- تعتبر نادرة، ما ساعدني كثيراً في إنجاز الأطروحة. والمقصود أنّ فيها ثروة معرفية هائلة. وما نأمله هو أن تأخذ حيزاً أكبر من الاهتمام والتطوير وإعادة تأهيلها خلال الفترة المقبلة، لتواكب العصر الجديد في المعلومات.
الحكومات ما تزال تنظر إلى المكتبات بوصفها أمراً ثانوياً. وفي أغلب البلديات، يتم التعامل معها وكأنّها ديكور فقط. هذه النظرة من الضروري أن تتغير إن كنّا نفكّر فعلاً بالمجتمع والتحديات والأخطار، فالبداية هي من المكتبات وأنشطتها وأدوارها، وحجم الإقبال عليها في أي مدينة أو منطقة، فذلك أحد أهم المؤشرات على تطور المجتمع وأحواله!