عروبة الإخباري- جمعت قاعة «دراسات الحرب» في جامعة كينغز كوليدج بلندن على مدى يومين نخبة من الباحثين لمناقشة معضلة «التوفيق» بين سياسات مكافحة الإرهاب وفي الوقت ذاته احترام «حقوق الإنسان والأمن الإنساني»، في إقرار من المنظمين، كما يبدو، بأن الوصول إلى السلام في نهاية المطاف يمر بإشكالية إعطاء الأولوية لإحدى هاتين المعادلتين على الأخرى.
وعلى رغم أن الجلسات التي عُقدت الثلثاء والأربعاء، ونظمها مركز «تريندز» للبحوث والاستشارات (مقره أبو ظبي)، تركّزت على «الإرهاب» المرتبط بـ «داعش واخوته» في الشرق الأوسط، إلا أن بداية النقاشات كانت بمثابة «درس في أخطاء» التجربة البريطانية مع إرهاب من نوع آخر. السير ديفيد أوماند، المدير السابق لوكالة التنصت الحكومية «جي سي أتش كيو» والمنسق الأول للأمن والاستخبارات في المملكة المتحدة، كان صريحاً في إقراره بأن الممارسات المسيئة التي قامت بها الأجهزة البريطانية في حربها ضد الجمهوريين الإيرلنديين في السبعينات والثمانينات ساهمت في تنفير الكاثوليك بدل استقطابهم، مشيراً تحديداً إلى سياسة اعتقال الشبان من دون محاكمات للاشتباه بأنهم يدعمون المتمردين، ولاحقاً اعتماد سياسة «التحقيق بالإكراه» مع المعتقلين، مقرّاً بأن ذلك يمكن أن يُعتبر اليوم «تعذيباً» وفق القوانين الأوروبية. وبعدما تحدث عن نجاح الاستخبارات البريطانية في اختراق الجمهوريين الإيرلنديين وإفشال العديد من هجماتهم، أشار إلى أن حكومتي مارغريت ثاتشر وجون ميجور اعتمدتا على هذا النجاح الأمني لبدء حوار سري مع المتمردين، أوصل في نهاية المطاف إلى اتفاق السلام (1998) ومشاركة الجمهوريين في الحكومة المحلية في بلفاست. وعقد مقارنة بين هذه التجربة مع التمرد الإيرلندي وبين تعاطي الحكومة البريطانية في قضية تنظيم «القاعدة» عقب هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001، قائلاً إن التحدي الذي واجهته الاستخبارات آنذاك كان يتمثّل في كيف يمكن «استباق» الهجمات التي يعد لها التنظيم في ظل قوانين حقوق الإنسان العالمية. وجادل بأن معلومات الاستخبارات تساهم في جهود مكافحة التنظيمات المتشددة اليوم، على رغم أن بعضها لا يمكن أن يُقدّم كدليل مقبول أمام المحاكم. وأقر بأن الحكومة أحياناً «لا يعود أمامها خيارات أخرى» يمكن أن تلجأ إليها لضمان احترام حقوق الإنسان في مجال مكافحة الإرهاب فتقوم بإجراءات مخالفة لها، كقيامها مثلاً بقتل بريطانيين ينتمون إلى تنظيم «داعش» بضربات جوية في مدينة الرقة السورية.
أما هارموني توروس المحاضرة في كلية العلوم السياسية بجامعة كنت فجادلت بأن محاولات «التوفيق» بين مكافحة الإرهاب وحقوق الإنسان لا يمكن لها أن تنجح لأن هناك تناقضاً بين المفهومين، في حين رأت مديرة «المركز الدولي لدراسة التطرف العنيف» آن سبيكهارد أن تنظيم «داعش» نجح في «تجنيد 38 ألف مقاتل أجنبي لأنه قدّم لهم رؤية مختلفة للنظام العالمي»، مضيفة: «أن ردع الإرهاب أسهل من عرقلته». من جهته، قال الباحث تشارلي وينتر إن أشرطة الفيديو المقززة التي ينشرها «داعش» هي جزء من «حرب نفسية» يشنها التنظيم ضد خصومه وضد عناصره الذين يمكن أن يفكروا في الإنشقاق، مقراً في الوقت ذاته بأن «انتهاء خلافة داعش» لا يعني انتهاء وجهة النظر التي يروّج لها.
وتحدثت «الحياة» على هامش المؤتمر مع الدكتور أحمد الهاملي، مدير مركز «تريندز» (مقره الإمارات)، فشدد على أن المشكلة التي يواجهها العالم العربي تتعلق بـ «تسييس الدين» من قبل جماعات مختلفة، مشيراً تحديداً إلى «نظام ولي الفقيه» و «سياسة تصدير الثورة والتدخل في شؤون الدول الخارجية» من قبل إيران (الشيعية) وفي المقلب الآخر لدى السنّة «جماعة الإخوان المسلمين» التي قال إنها مصدر الأفكار المتشددة التي اعتمدها لاحقاً «داعش» وقبله تنظيم «القاعدة». وأضاف أن تنظيم المؤتمر يأتي في إطار جهود لشرح هذا الأمر للغربيين لأنهم يرون العنف والفوضى والإرهاب الآتي من العالم الإسلامي من دون أن يعرفوا أن «مصدر» ذلك هي إيران وجماعة «الإخوان»، وفق رأيه. واتهم «الإخوان» بأنهم يستغلون نقاط الضعف في الديموقراطيات الغربية للترويج لأفكارهم وتجنيد أفراد على رغم أنهم ليسوا ديموقراطيين في حقيقة الأمر. وليس هناك موقف غربي واضح من جماعة «الإخوان»، علماً أن مراجعة للحكومة البريطانية خلصت إلى أنها مصدر لأفكار المتشددين، لكنها لم تصل إلى حد المطالبة بحظرها.(الحياة)