انتهى مؤتمر حركة فتح السابع، وتمّ اختيار أعضاء اللجنة المركزية والمجلس الثوري، وتجديد الثقة بقيادة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بوصفه أميناً عاماً للحركة، مع حضور لافت لـ”الحرس القديم”، ومحاولات تجميل عبر انتخاب أسماء شبابية للقول إنّ الحركة ما تزال فتية.
الصديق العزيز أحمد جميل عزم، والذي نستند إليه عادة في اختبار كنه المناظرات والحالة الثقافية والنفسية الداخلية الفلسطينية، أكّد في مقالة له (في “الغد”، قبل أيام) أنّه لم يلحظ أنّ موضوع القيادي الفتحاوي السابق محمد دحلان كان يأخذ حيّزا حقيقيا من النقاش والحوار في أوساط أبناء الحركة؛ وإنما كانت الهموم الحقيقية مرتبطة بأجندة الحركة في المرحلة المقبلة، وجدلية العلاقة بينها وبين السلطة الفلسطينية، وموضوع الشباب و”الحرس القديم”، وشعور الجيل الجديد بعدم وجود تمثيل حقيقي له في قيادة الحركة.
ما ذكره الزميل عزم يمثل -بحق- الإشكالية الجوهرية التي وقعت الحركة في شراكها، وما تزال تائهة فيها. كما أنها معلّقة ما بين التسوية واستحقاقاتها، والعجز عن اجتراح رؤية جديدة استراتيجية للخروج من المأزق التاريخي المفصلي الراهن!
الحركة اليوم تائهة تماما، لا تملك رؤية استراتيجية حقيقية لدورها ووظيفتها مع وجود السلطة من جهة؛ ومستوى التماهي معها والانفصال عنها عندما يتطلب الأمر برنامجاً كفاحياً، ولو سلمياً، لمواجهة التعنت الإسرائيلي، والخروج من مربع “احتلال الديلوكس” الذي أصبح الوظيفة الرئيسة للسلطة في منظور الإسرائيليين، أو موضوع القدس، و”الحدّ الأدنى” المطلوب في مواجهة سياسات التهويد، وأخيراً موضوع “المصالحة” المؤجلة مع حركة حماس، وقصة الانتخابات المؤجلة، وفيما إذا كانت ستشكّل بداية لوفاق فلسطيني أم تعقيدا آخر في المشكلة وتجذيراً للانقسام بين الضفة وغزة!
هذه الإشكاليات الحقيقية التي تواجه الحركة، ومعها السلطة الفلسطينية. لكن الأطراف العربية كانت معنية بقضية أخرى، خلال الأشهر الماضية، تتمثل في العلاقة بين محمود عباس ومحمد دحلان. ولم يخف عباس نفسه وجود ضغوط عربية شديدة عليه لإعادة دحلان، معلناً رفضها، ما عزّز حالة الغموض والضبابية في علاقة الأطراف العربية معه!
لماذا يريد العرب فرض دحلان على عباس؟! هذا سؤال مهم على أكثر من صعيد. فقناعة الرئيس وأوساط فتحاوية أنّ ذلك بهدف تحضير دحلان ليكون الرئيس المقبل للحركة وللسلطة. أمّا الأطراف العربية، فتتحدث عن وجود ثقل حقيقي لدحلان في أوساط “فتح”، وأنّ المطلوب اليوم توحيد الحركة وترصيص صفوفها. فيما ترى أوساط حركة حماس أنّ الهدف من احتضان دحلان عربياً وتأهيله فلسطينياً، يكمن في أجندته المعادية للإسلاميين بصورة حادّة، واستعداده لتقديم تنازلات أكبر في التسوية السياسية، ما يحرّك العملية السلمية.
أردنياً، نخادع أنفسنا إن قلنا إنّ العلاقات على ما يرام مع عباس والأوساط القيادية المحيطة فيه؛ فالأجواء معكّرة منذ أعوام، وزاد الأمر سوءاً خلال الفترة الأخيرة. وهناك شعور بأنّ الأردن لم يكن يرغب في انعقاد المؤتمر السابع للحركة ضمن المعطيات الحالية، ما انعكس على أعضاء المجلس الوطني المقيمين في الأردن.
مع ذلك، ومع عدم القدرة على إخفاء “حالة عدم اليقين” بين الطرفين، إلا أنّ هناك غموضاً شديداً في تحديد الأسباب وتعريفها والمصارحة بها؛ فالكلام مبهم دوماً، والتفسير غامض، وكأنّ العلاقة من المفترض أن تدار على قدر كبير من الغموض والشك!
على النقيض من ذلك، أحسب أنّ المطلوب اليوم هو وجود مجلس أعلى، سواء على صعيد رسمي أو غير رسمي، أردني- فلسطيني، يضع تصوّراً واضحاً للوضع الراهن في الضفة، وللمصالح الأردنية والفلسطينية، وتعريف السيناريوهات المتوقعة، والرؤية الإسرائيلية والخيارات المشتركة لكلا الطرفين لمواجهة الاستحقاقات الكبيرة المقبلة في ظل مشهد عربي متشظ، لا يمكن الركون إليه!