عروبة الإخباري -كتب سلطان الحطاب _ هذه لغة تصالحية للبناء في مسيرة وطنية أكدت الشراكة في الوطن وزادت ان قالت “الشراكة في القرار” وهنا بيت القصيد , كنت أرقب وجه الرئيس محمود عباس عن قرب فقد كنت اجلس كضيف قبالته تماما في مؤتمر فتح السادس حين نودي على الشيخ احمد علي الذي صعد يلبس الملابس التقليدية الفلسطينية ومنها كوفية عليها عقال ليبدأ الحديث بصوت جهوري ولغة سليمة راقية وقد استوفى بشكل حريص ألقاب الرئيس وصفاته في استهلال المخاطبة , وقد بدأت ملامح الرئيس تنفرج وسمعه اكثر تركيزا , وقد كان القلق يعتلي وجه عبدالله الافرنجي رئيس المؤتمر الذي خاطب الشيخ احمد ليعتلي المنبر ذاكرا ان الكلمة هي لخالد مشعل ومضيفا لقبه .
كان الافرنجي الذي تأكدت انه اطلع الرئيس عباس على الكلمة او قال له مضامينها بدقة عالاقل , الخشية كان ان يخرج الشيخ عن النص او يذكر تعبيرات محرجة , ولكن الكلمة جاءت واضحة وسلسلة وعميقة ومؤثرة وتصالحية وذات رؤية تجسر الموقفين لفتح و حماس وتخدم في صيغتها العامة الرئيس محمود عباس.
كان الرئيس عباس يسمع بانصات، عميق وكانت القاعة منصتة ايضا , وقد تدفق فيها التصفيق اكثر من مرة وبحرارة حين لفت انتباهي جاري في المقعد يمثل حزب العدالة والتنمية التركي الذي يتكلم العربية بطلاقة حتى ظننت انه عربي حين القى كلمته وقد قال لي هل لاحظت شعبية مشعل , “ان المصفقين هم الضيوف وتنظيم فتح فلماذا الخلاف اذن”! ابتسمت وقلت نتحدث عندما نخرج فهناك اسباب أخرى.
كان الحاج احمد يقول ” ان حماس جاهزة لكل مقتضيات الشراكة مع فتح وكل الفصائل والقوى والشخصيات لما فيه المصلحة الفلسطينية”.
وحين قال “ان مؤتمر فتح ينعقد في ظروف استثنائية لها انعكاساتها على القضية الفلسطينية , و على الوضع الاقليمي مما يضاعف من مسؤولياتنا ” هز الرئيس رأسه بالموافقة , وقد اكمل الحاج احمد ما بعد التصفيق بالقول” نحن شركاء في الوطن والقرار , ونحن جاهزون لكل مقتضيات هذه الشراكة معكم في حركة فتح , ومع جميع الفصائل لمصلحة شعبنا وقضيتنا فاتسعت حدقتا عيني الرئيس بعد ان تمثل الاغماضة وابتسم ابتسامة لم استطع ان اقراها ان كانت لمضمون الفقرة ام لشيء اخر .
ولعل ” الشراكة في القرار ” وهو التعبير الذي شدد عليه الشيخ واعطاه لفظا تفخيميا بصوت اعلى هو الاهم في الكلمة ولعل عاصفة التصفيق الاقوى كانت حين لفظ الشيخ احمد اسم الرئيس عرفات والذي كان اسمه يشعل القاعة تصفيقا مع كل كلمات الخطباء , فقد قال خالد مشعل مخاطبا جمهور فتح في القاعة ” هذا اللقاء يجدد اداء الحركة وبرنامجها النضالي الذي عرف عنها وتميزت به منذ كانت الثورة الفلسطينية المعاصرة والتي كان على رأسها القائد الشهيد المرحوم ياسر عرفات رحمه الله ” .
وفتح عند خالد مشعل يرى في مؤتمرها انه ” يرسخ مناخ الوحدة و روح الشراكة الوطنية التي تساعد على سرعة انجاز المصالحة وانهاء الانقسام وترتيب بيتنا الفلسطيني , وبناء مؤسساتنا الوطنية ثم اخيرا بما يمكننا من العمل معا وبجميع طاقات شعبنا العظيم وقواه ومكوناته في الداخل والخارج في مقاومة الاحتلال والاستيطان والتهويد ومواجهة عدوانه” .
كان الرئيس عباس ما زال يحتفظ بابتسامة ثابتة ذات بعد تاملي قبل ان يستدير لمحدثته ام جهاد التي وضعت امامه ورقة صغيرة ليعود الى الاستماع بانصات لم يمارس مثله امام الكلمات الاخرى على اهمية مقدميها واهمية تمثيلهم .
عاد الرئيس لهز الراس بالموافقة حين قالت كلمة مشعل ” ان كل انجاز ونجاح لفصيل هو انجاز ونجاح لبقية الفصائل والقوى , ورصيد متراكم لاصل الموضوع وهو الشعب والقضية فكيف حين يمر شعبنا و قضيتنا بهذه الظروف الخطيرة وغير المسبوقة , الى ان وصل في قوله ” فالوطن اكبر منا ويكبر بنا والقضية تحتاجنا جميعا وتنتصر بوحدتنا وشراكتنا وباجتماع جهودنا و جهادنا معا” .
صفق الرئيس فصفق الجمهور بحرارة , وبدات الاسئلة تدور اذا كانت الامور هكذا من السمن والعسل في كلمة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس واذ كان الرئيس يصفق وينعت كلمة ابو الوليد بانها ممتازة كما سمعناه , ويعيد وصفها بافضل الصفات في احد الكواليس وقد سمعناه ايضا فاين الخلل والمشكلة اذن ؟ وهل ياتي المؤتمر السابع الذي حقق فيه الرئيس عباس نجاحا ملموسا في اعادة ترتيب بيت فتح الداخلي الذي يعتقد الرئيس عباس انه كان حقلا بحاجة الى التعشيب بعد ان رمت اطراف هجينة وخارجية بذورا برية فيه انبتت الهالوك بين زرعه والذي لولا التعشيب المستمر وخاصة في المؤتمر السابع وقبل ذلك في اجتماعات اللجنة المركزية لكان الهالوك استقوى على الزرع واقتات عليه .
خالد مشعل اذن الى جانب الرئيس في لحظات عرس فتح مهنئا ومتضامنا ومؤيدا , وهذا يبعث على شكل من اشكال الثقة ويؤسس لمرحلة قادمة , واعتقد ان القائدين من سيحاولان فيها كبح جماح القوى التي تضع الفرامل وتريد ان تقول ان الجمل المعربة غير قابلة للاعراب او هي جمل معترضة وتريد ابقاءها على ذلك .
اراد مشعل ان يؤكد ان كلمته امام المؤتمر والذي القيت نيابة عنه من رجل وصفه مشعل لي في اتصال بانه شجاع وقد طاردته اسرائيل من قبل رغم تقدمه في السن , و رغم خطورة ما يمثله دوره في حمل هذه الكلمة والقائها والمشاركة بها في المؤتمر , ظل يؤكد ان هذه الكلمات التي كتبها ( مشعل ) ما هي الا تعبير نابع من قلبي وعقلي عن هذه الرؤية والقناعات التي اؤمن بها .
بين الرئيس ابو مازن و ابو الوليد لغة دافئة رغم خلاف حماس وفتح , وقد ظل مشعل يحافظ على دفء هذه اللغة وقد سمعته يتحدث بها كثيرا وحتى في المقابلة التلفزيونية التي اجريتها معه قبل حوالي ثلاث سنوات وابان تصاعد ازمة الانقسام ظل حريصا على استعمالها وهي اللغة التي اجاب بمثلها الرئيس ابو مازن حين سألته عن خالد مشعل في برنامجي حوار مع كبار .
الخطوة والنصف المتبقية من الخلاف الكامن بين حماس وفتح يجب ان نقطع وان يتوج الوصول بمصالحة وطنية قوية قائمة على اسس لا يستطيع صاحب اي هوى ان يعيد انفصالها او تمزيقها , فالتناقض الاساس هو مع الاحتلال ويجب ان يكون فقط مع الاحتلال لان الشعب الفلسطيني ملّ من الانقسام ودفع وما زال يدفع ثمن الانقسام , واعتقد ان الرئيس ابو مازن أبدى و ما زال يبدي حرصا عمليا بعيدا عن العواطف والانشانية لرتق خرق الانقسام واقامة جسد اخر جديدا من الوحدة رغم الضغوط الخارجية الشديدة عليه والتي عبر عنها أوباما ونتنياهو واطراف اخرى وهي ضغوط يعرفها السيد خالد مشعل ويعلم ان تجاوزها ليس سهلا .
شجاعة الرئيس عباس الذي وصل الى الامم المتحدة رغم كل العصي الدولية والعربية التي وضعت في دولاب عمله السياسي ورغم اصراره على عقد مؤتمر فتح السادس وسط تهديدات وتخويف و ضغوطات وتدخلات , كل ذلك يثبت قدرة القائد على تجاوز الصعاب لكن بعقلية واحتساب وروية , فالشجاعة ليست بالتهور كما قال المتنبي : ” الجود يفقر والاقدام قتال ” ولكن الشجاعة تحتسب بالمواقف الصلبة و ضمان الانتصار وتحمل المكابدة والرئيس ابو مازن كان قادرا دائما وشعاره : ” اذا اعتاد الفتى خوض المنايا .. فأهون ما يمر به الوحول ” .
لم يخش وحل الاحتلال ولا الضغوط الدولية المناصرة له , وهو يعلم ان شعبه واع وانه في غالبيته يغدره وهو يعمل من أجله وان بدت مواقفه غير شعبية , و هذه هي ميزة القائدحيث يتجرع المرارة ويتحمل في سبيل شعبه , و من هنا كان ابو مازن حاضرا في قراره بمشاركة اطفاء حرائق الجليل في حيفا ليقول للذين قالوا ان اسرائيل تحترق , ان فيها عربا وان فيها قومنا واشجار اهلنا العتيقة التي انتزعوا منها وبقيت , فالكرمل فينا وعلى أهدابنا عشب الجليل , كما قال ايمن عودة احد ابرز قيادات الداخل الفلسطيني والذي حضنه ابو مازن بقوة بعد ان القى كلمته الواعية المؤثرة التي ألغت الحدود الاحتلاليه لتوحد وجدان الفلسطينيين وضيوفهم بتصفيق ظل طعمه على الأكف حتى بعد نهاية المؤتمر .
اخر الاحزان والخلافات يا فتح ويا حماس , وليكن المؤتمر السابع بوتقة الانصهار والعودة الى الوعي بعد عودة الروح في المؤتمر .
الشيخ أحمد الشيخ علي يلقي كلمة نيابة عن رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل