وفقاً للتقارير الإعلامية الأخيرة، فإنّ حركة “أحرار الشام” المقرّبة من أنقرة، تشهد انقساماً متنامياً بين تياري “الحمائم” و”الصقور” وهي في طور إعادة انتخاب قيادتها، وذلك على خلفية خلافات أيديولوجية وسياسية؛ سواء في الموقف من “جبهة النصرة/ فتح الشام” و”القاعدة”، أو عملية “درع الفرات” التي تشنّها أنقرة، أو الموقف من الغرب والولايات المتحدة الأميركية.
من المعروف أنّ “أحرار الشام” حليف وثيق لجبهة النصرة. وتسيطر الحركتان وتنتميان إلى “جيش الفتح”، الذي يسيطر على محافظة إدلب.
الخلافات الجوهرية الأخيرة تتمثل في الموقف من عملية “درع الفرات”. إذ أعلنت حركة “أحرار الشام” تأييدها لها، بينما وقفت “جبهة النصرة” ضدها تماماً، ما أثار جدلاً واسعاً في أوساط الحركة نفسها. إذ يرى “تيار الصقور” أنّ ذلك امتثال مطلق للإملاءات التركية، وتخلٍّ سافر عن دور الحركة في حلب المحاصرة، والعمل في سياق الأجندة التركية لتأمين منطقة آمنة للأتراك في الريف الشمالي لحلب.
هذا يعيدنا إلى قصة مدينة حلب، التي ذكرتُ سابقاً أنّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تخلّى عنها. وهو ما تقوله مصادر مقربة من المعارضة الإسلامية ذات الصلة بتركيا، لكنّها لا تصرّح به علناً، خشية من خسارة الأتراك، وهم الحليف الوحيد، تقريباً، المتبقي لهم.
لكن، من زاويةٍ أخرى، دعونا نقارب الفرق بين كل من إيران وتركيا في التعامل مع الملف السوري، لنعرف لماذا تفوقت طهران إقليمياً، بينما فشلت تركيا والأنظمة العربية!
إذا تجاوزنا البعد الطائفي في الصراع، فإنّ إيران وقفت، من اللحظة الأولى، موقفاً واضحاً حاسماً مع النظام السوري، ودفعت بحليفها حزب الله إلى هناك، وخسرت مليارات الدولارات ومئات القتلى، وقيادات في الحرس الثوري الإيراني، واعتبرت المعركة معركتها، بل معركة أمن قومي لإيران.
في المقابل، أنقرة فتحت الباب واسعاً لتدفق المقاتلين الأجانب، ودعمت فصائل من المعارضة الإسلامية المسلّحة، لكنها لم تكن ثابتة ولا مستقرة في مقاربتها السورية؛ فتغير موقفها من “داعش”، ومن ثم من “جبهة النصرة”، وأخيراً بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة، دخلت في مفاوضات وتفاهمات مع الروس غير معلنة إلى الآن، لكن يبدو واضحاً أنّ ما يحدث في حلب أحد مخرجاتها.
التدخل الروسي كان عاملاً مؤثراً جداً في الصراع، ورجّح كفّة النظام السوري والإيرانيين. هذا صحيح، لكن الإيرانيين لم يتخلّوا عن حليفهم الأسد في أشد لحظات الأزمة. وكما أنّ هناك خلافات في أوساط طهران حول حجم كلفة دعم النظام في سورية، فإنّ الخلافات التركية موجودة أيضاً، لكن أردوغان رسم المقاربة التركية تجاه سورية على عاتقه الشخصي، بينما من الواضح أنّه لا يوجد اتفاق في أوساط البنية المؤسسية الصلبة للنظام التركي على ذلك، بخلاف البنية الصلبة القوية في النظام الإيراني، أي الحرس الثوري والمرشد والتيار المحافظ. لذلك كان موقف أردوغان مهتزاً مناوراً، بينما الموقف الإيراني صلبا واضحا صريحا.
رحل محمود أحمدي نجاد؛ المحافظ المهووس بالمسألة الدينية-الطائفية، وجاء آية الله روحاني، الإصلاحي المنفتح، ولم يتغيّر شيء على المقاربة الإيرانية في سورية. بينما لو تغيّر أردوغان وانتصر الجيش في محاولته الانقلابية، كان اللاجئون السوريون والمعارضة السورية هم أول من سيدفع الثمن.
لكن الموقف التركي على ما فيه من هشاشة وعدم وضوح استراتيجي من سورية، يتجاوز الموقف العربي بمسافات فلكية. فالعرب إلى الآن لا يعرفون ماذا يريدون في سورية؛ فكيف سيدخلون في صراع “كسر عظم” مع الروس والإيرانيين، وهم مختلفون في تصنيف المعارضة السورية والموقف من الأتراك وتحديد مدى أهمية الصراع على سورية على مصالحهم وأمنهم القومي، بل حتى الموقف من إيران نفسها فيه تحايل ونفاق وعدم وضوح. لكن هل يختلف موقفنا في أي شيء آخر عن هذه الطريقة؟!