على أبواب ترقب الدورة الجديدة لمجلس الشورى، كلنا ينتظر قدوم أعضاء جدد بأمل وحماسة متجددة لمصلحة الوطن والمواطن، وخروج أعضاء قدّموا مشكورين ما لديهم خلال الفترة الماضية، وعلى عتبات الانتظار تعلو الأصوات بين وقت وآخر مطالبة بأن يكون أعضاء هذا المجلس منتخبين من المواطن. فهل اختيار أعضاء المجلس بالانتخاب خطوة تستحق أم أنها لن تقدم جديداً؟ في هذا السياق قرأت خلال الفترة الماضية كتاباً نشر أخيراً، للكاتب البلجيكي دايفيد فان رايبروك بعنوان: «ضد الانتخابات – لماذا التصويت غير ديموقراطي». وجدت في مضمونه ما يستحق أن نطلع عليه، مستعرضين تجربة بعض الشعوب مع الانتخابات، وهل هي وسيلة تأتي بالأفضل دائماً؟ وما هي السبل اللازمة لتطوير مثل هذه العملية؟
أوضح رايبروك في كتابه أن الخطأ الذي يقع فيه كثير من أهل الغرب ومن يسير على نهجهم في مختلف أنحاء العالم، هو الخلط بين مفهوم الديموقراطية والانتخابات! مشيراً إلى أن اختيار دونالد ترامب تلاه الكثير من التحليل لتوجهات الناخبين الأميركيين، والاستغراب من تأييد الناخبات الأميركيات لشخص يتكلم باحتقار وسوقية عنهن، ويتفاخر بتحرشاته الجنسية بكل امرأة تعجبه! في الوقت الذي ابتعدت به جميع التحليلات عن القضية المحورية المتعلقة بما إذا كانت العملية الانتخابية في حد ذاتها مازالت مناسبة لهذا العصر، لأن طرح هذا السؤال يعتبر من المحرمات في عرف الديموقراطية الغربية.
ويقول الكاتب أيضاً: «إن التصويت في الانتخابات يعني ببساطة أن المواطن يعطي صوته لمرشح ما باختياره، ثم يفقد مجبراً القدرة على التدخل فيما يفعله هذا المرشح لمدة أربع سنوات بعد وصوله إلى المنصب، حتى وإن خالف أو تقاعس عن تطبيق ما وعد به وعلى أساسه رشح»! لذا يرى رايبروك أن هذا الأسلوب كان مناسباً للعصور الماضية حين كان انتشار المعلومة بطيئاً والتواصل مقتصراً على نطاق ضيق، مضيفاً أن استطلاع الرأي وأخذ أصوات المواطنين تسبقها مرحلة الحملات الانتخابية، التي يتعرض فيها المواطن لفيضان من الآراء المتحيزة والشعارات المعسولة والوعود الخيالية، التي تضخّم حجم الإنجاز المتوقع الذي يكبّر من حجم من المرشّح ويجعله «يُعملق» طُعم الوعود ويظهرها أكبر بكثير من حجم قدرته على تنفيذها، وذلك كي يصطاد أكبر قدر من أصوات الناخبين ويضعها في «سلة» مؤيديه، ليكسب بها المسابقة الانتخابية! وبعد الفوز يكتشف المواطن أن أقوال من وثق به ومنحه صوته جسراً ليصل به إلى المنصب، أكبر بكثير من فعل يضمن مستقبل أفضل له ولأولاده! يرى رايبروك أن اختيار ترامب لا يختلف كثيراً عن طريقة حصول الزعيم النازي أدولف هتلر على الأغلبية في الانتخابات، ولكن الواقع الحالي يجعل نتيجة الانتخابات الأميركية منطقية، تبعاً للمعطيات العصرية السائدة من استغلال وسائل التواصل الاجتماعي للتأثير على الناخبين وتشويه أفكارهم وتوجيهها بطريقة غير مباشره، تجعل الشخص مسيراً باختياره من دون علمه، وقال: «إن الانتخابات التي بدأت في القرن الـ18 تقليد فاشل من الخطأ تطبيقه في القرن الـ21».
وتساءل رايبروك أيضاً عما إذا كان العالم لم يفهم معنى تصويت الناخبين البريطانيين للخروج من الاتحاد الأوروبي لتعقبه المظاهرات الرافضة لتلك النتيجة، وهو ما حدث في الولايات المتحدة بعد انتخاب ترامب، ما يؤكد أن الانتخابات ليست الوسيلة الأصح والأفضل والأسلم لاتخاذ القرارات المصيرية والمناصب الحساسة، محذراً من أن عواقب ذلك تصب في مصالح التيارات المتطرفة الكارهة لكل شيء، وأن الانتخابات لعبة سياسية مدروسة أدواتها المواطن.
ويرى الكاتب البلجيكي أن المجتمعات الأوروبية أصبحت تعاني من شرخ عميق، فنصف المجتمع مازال متمسكاً بالهياكل السياسية التقليدية، والنصف الآخر رافضاً لها مؤيداً لحركات التطرف التي تنادي بطرد المهاجرين وتشعر بالخوف من هيمنة الإسلام المزعومة في أوروبا، وتعتبر أن وسائل الإعلام التقليدية كاذبة، وأنها لا تتحدث إلا بصوت النخبة.
وقال: «إن أوضح صور الانتخابات وأكثرها نفعاً في الوقت الحالي هو تجربة آرلندا التي يتم فيها اختيار ممثلي الشعب من طريق القرعة، بعدها يقوم الـ100 شخص الذين حالفهم الحظ بتشكيل ما يسمى بتجمع المواطنين ليكونوا من طبقات الشعب كافة، وليس فقط من النخبة السياسية. يقوم هؤلاء الأشخاص بجمع المعلومات اللازمة انطلاقاً من تحملهم المسؤولية تجاه المواطن، ويختارون ما فيه مصلحة الشعب من دون أي ضغوطات، وأظهرت هذه التجربة التي بدأت في ٢٠١٣ أنها أفضل من الانتخابات التقليدية، وأن ممثليها أصدق في التعبير عن رغبات شعوبهم». وبالطبع ليس من المعقول أن تستنسخ التجربة لأن لكل مجتمع ولكل دولة ظروفها المختلفة، نحن هنا نسرد التجارب ونتصل بالعالم لنتطلع على كل الخيارات ونأخذ منها ما يناسبنا ويختصر علينا طريق الوصول إلى الهدف الذي يرتقي بنا دوماً دولة ومواطنين.