حسنا فعل رئيس الجامعة الأردنية الدكتور عزمي محافظة، عندما نأى بالجامعة عن المسار العشائري لتسوية الخلاف بين الطلبة من أبناء مدينتي الطفيلة والسلط. وحسنا فعل وجهاء المدينتين عندما وضعوا شرطا في صك الصلح، يضمن تسليم المطلوبين من الجانبين، والاستمرار في الإجراءات القضائية؛ فهم بهذه الطريقة وضعوا المسار العشائري في خدمة المسار القانوني، وتحت سقفه لا فوقه، كما كان يحصل في السابق.
كان لا بد من تدخل اجتماعي “عشائري” لاحتواء ما وقع من اعتداءات مؤسفة، وضمان عدم وقوع ردات فعل ثأرية وتفاقم المشكلة؛ وفي الوقت ذاته، ترك القانون ليأخذ مجراه بحق من يثبت تورطه في الاعتداءات المتبادلة، واقتحام الحرم الجامعي بالطريقة البدائية التي شهدناها.
في حوادث مشابهة، وما أكثرها، كانت القوى الاجتماعية تتحرك لوأد مسار التحقيق، وإبرام تسوية على حساب القانون. وكان رجال الدولة، من مختلف الطبقات والفئات، يقودون حملات الضغط على إدارات الجامعات لثنيها عن معاقبة الطلاب المتورطين في أعمال العنف. لقد شكل سلوك هؤلاء مظلة للمتنمرين والمشاغبين للتمادي في عدوانيتهم، وتحدي القانون وأنظمة الجامعات.
رئاسة “الأردنية” اتخذت موقفا متشددا حيال المتورطين في أعمال العنف الأخيرة. ولا يظهر من تصريحات الدكتور محافظة أن في نيته تقديم تنازلات على حساب القانون. هذا هو الموقف الصحيح؛ لأن هيبة وسمعة الجامعة الأردنية على المحك، وإذا مرت الحادثة من دون محاسبة قانونية صارمة، فإنها ستتكرر، وتنال من مكانة الجامعة الأعرق والأجدر بالريادة في كل المجالات.
إذا فعلتها “الأردنية” ومضت بالمسار القانوني حتى النهاية، فستغدو قدوة لكل الجامعات، وترسم بحق خطاً أحمر لا يجرؤ أحد على تجاوزه من بعد. وإن فعل، فعليه أن يدفع الثمن الباهظ؛ فصلا وسجنا، ينهيان فرصته في الحياة الكريمة إلى الأبد.
وبعد الورقة النقاشية السادسة لجلالة الملك، سيكون من العار على أي مسؤول يقبل على نفسه التنازل عن سيادة القانون، لحسابات اجتماعية، أو توازنات مصلحية تحفظ كرسيه ومنصبه.
ولترجمة ما التزمت به إدارة “الأردنية” من وعود قاطعة بمحاسبة المتورطين، ينبغي عليها أن تكشف للرأي العام نتائج التحقيق الذي تجريه حاليا، بكل شفافية. والتعاون مع وسائل الإعلام، لمتابعة الإجراءات التي ستتخذها بحق من يثبت تورطهم بأعمال العنف، سواء كانت على المستوى الأكاديمي أو على المستوى القضائي، ليتأكد الجميع بأن سيادة القانون مقدسة في كل الظروف.
ثم ينبغي بعد ذلك التفكير بروية وعمق، للبحث في السبل الكفيلة بتفكيك الروابط العشائرية والجهوية داخل “الأردنية”، وكل الجامعات بالطبع، وصياغة هوية جامعية للطلبة، بعيدا عن الولاءات الضيقة التي تجعل من شبان في أول العمر، يتصرفون وكأنهم أفراد في مليشيا خارجة عن القانون والنظام.
وفي السياق نفسه، تقييم أحوال الروابط الطلابية القائمة في الجامعات، وأعني الاتحادات، وأسباب إخفاقها في صهر الطلبة في أطر أكاديمية ووطنية، عابرة للهويات المناطقية والعشائرية. وإدخال ما يلزم من تعديلات على أنظمتها وتعليماتها، لتكون أكثر فاعلية.
الجامعة الأردنية تدخل امتحانا ليس ككل الامتحانات التي تعقد في قاعاتها يوميا؛ إنه الامتحان الأصعب. والجميع بانتظار النتيجة.