همساً، يعترف عدد من كبار الصناعيين في الأردن بأن فكرة تعديل قواعد المنشأ الأوروبية ليست مغرية للقطاع الصناعي المحلي، ولن تساهم كثيرا في تغيير اتجاه مؤشر التصدير للاتحاد الأوروبي. وهم يلقون باللائمة على كلف الطاقة بدرجة كبيرة، كسبب يقف خلف عجزهم عن منافسة منتجات الدول الأخرى. وبقاء مثل هذا العائق يدفعنا للتفكير بنتائج غير متفائلة حيال فرص التصدير لأوروبا.
الحكومة لم تعترف بعد بعزوف الصناعيين عن الاستفادة من التوجه الأوروبي، وتواصل حثّهم على الاستفادة من الخطوة، بعيدا عن التفكير العميق بعدم جاذبية خطوة تخفيف قواعد المنشأ لهم.
لكن الدليل قوي على ضعف الحصيلة، كما التفاعل مع النتيجة التي أدت إلى تخفيف شروط قواعد المنشأ بما يخدم الصناعة الوطنية؛ ويتمثل بأن شركة واحدة فقط تقدمت للاستفادة من المزايا الممنوحة للمنتجات الأردنية. بمعنى أن المنافع التي قدمها الاتحاد الأوروبي بهذا الخصوص لم تقنع المنتج/ المصنّع المحلي بالتوجه لأوروبا، ما يشي بأن ثمة معيقات أخرى، غير قواعد المنشأ، تحول دون الوصول إلى تلك الأسواق.
يُفترض أن الأهداف من وراء تخفيف قواعد المنشأ وتيسيرها، متعددة والمنافع موزعة. فمثلا، يُفسر كرم الأوروبيين بحاجتهم إلى تسكين السوريين في البلدان التي لجأوا إليها، للتخفيف من حجم اللجوء إلى أوروبا؛ وذلك من خلال توفير فرص عمل لهم في المناطق الصناعية المستفيدة من ميزة التوريد لأوروبا، وتشمل 18 منطقة. إذ أعلن “الاتحاد” عن تخفيف “قواعد المنشأ” على الاستيراد، لتسهيل دخول منتجات أردنية للسوق الأوروبية، بحيث تساهم المناطق الصناعية والتنموية المشمولة بقرار الأوروبيين في توظيف 15 % من اللاجئين السوريين.
الشرط كان تشغيل 200 ألف سوري في الصناعة والقطاعات الأخرى. لكن الظاهر أن هذا الهدف ما يزال صعب التحقيق، لأن السوريين يرفضون العمل في الصناعة كما يشكو صناعيون؛ هذا من ناحية. كما يفسر المانحون، من ناحية أخرى، الرفض السوري بالمعونة الشهرية التي يتلقونها ومقدارها 180 دينارا. ومن ثم، فإن كل الجهود الرسمية في قوننة تشغيل السوريين منذ “مؤتمر لندن” لم تقترب، ولو قليلا، من شرط عدد الوظائف المقدمة لهم كما حدده الأوروبيون.
بالأرقام، بلغ عدد السوريين الحاصلين على تصاريح عمل في المملكة، نحو 32 ألفا. فيما يتوقع وصول العدد إلى 50 ألفا مع نهاية العام الحالي، يشكل فقط ربع الالتزامات التي قبلها الأردن في مؤتمر لندن المنعقد في شباط (فبراير) الماضي، ورضي بها كالتزامات تهدف لتعزيز قدرة اللاجئين والمجتمعات المضيفة على مواجهة الأزمات المترتبة على اللجوء السوري، في سبيل الحصول على تخفيض قواعد المنشأ ومنح تقترب قيمتها من 700 مليون دولار.
الاتفاق الذي وقعته الحكومة مع الاتحاد الأوروبي في التاسع عشر من تموز (يوليو) الماضي يمتد حتى نهاية العام 2026. ما يعني أن ثمة وقتا لإعادة التموضع والبحث عن المعيقات الحقيقية التي تحول دون دفع الصناعيين الأردنيين للتوجه للأسواق الأوروبية.
بالمحصلة، النتائج الملموسة لغاية الآن فيما يتعلق بمخرجات مؤتمر لندن، تبدو أقل بكثير من التوقعات والسقف العالي للمؤتمر. ما يتطلب بذل مزيد من الجهود للوصول إلى ترجمة حقيقية لكل الآمال التي بنيت على الفكرة، تحديدا في هذا الظرف الاقتصادي الصعب والمعقد، وعلى اعتبار أن مؤتمر لندن كان نافذة للتخفيف من وطأة الحالة الاقتصادية، وإشاعة جو من التفاؤل.
وإن كان من الصعوبة بمكان تحقيق المرجو، يكون مطلوباً اعتراف شجاع بأن ما سيأتي لا يشكل نافذة واسعة للاقتصاد، بعكس ما كنا نقول.