بقدر الاستفزاز الكبير الذي سببته إساءة مجلس النواب للمصورين، بعد التقاطهم صورا لرسائل بين النواب والحكومة؛ استفزتني أيضاً ردود الفعل الساخرة من السيدة النائبة حول حاجة زميلة لها لكيلو من الملوخية.
ومن باب نقد الذات، فإن من حق المصورين متابعة كل صغيرة وكبيرة، والتقاط الصور التي تحمل مضمونا سياسيا وتفضح “طوابق” العلاقة بين النواب والحكومة. لكن هذا الحق ينتهي، وإلا أصبح مخالفا للمعايير المهنية، حين يؤدي إلى التطاول بالنقد على سيدة نائبة لأنها فكرت بشراء الملوخية. إذ إنه نقد تم بناء على موقف جندري يجهل الضغوط التي تواجهها النساء العاملات نتيجة أفكار جمعية ترفض التغيير، ناهيك عن الضغوط الأخرى.
القصة، بصراحة، عادية. سيدة ربة منزل، أكانت وزيرة أو نائبة أو حتى صحفية، تفكر في إدارة شؤون منزلها وعائلتها، وبما يؤكد أن النساء العاملات مهما اختلف موقعهن يبقين مسؤولات عن أسرة لها احتياجاتها ومتطلباتها. ومسؤولية المنزل والأولاد والأسرة لا تقل أهميتها عن الوظيفة أو الدور الذي تلعبه المرأة خارج بيتها، بل هي تأكيد على فكرة التوازن في إعطاء كل مؤسسة حقها.
في النهاية، ردود الفعل الساخرة من الملوخية ليست إلا انعكاسا لحالة مجتمعية ذكوريّة تستهوي الإساءة للنساء والنيل منهن، والتقليل من شأن المرأة؛ سواء بشرعنة تعنيفها أو قتلها، أو تزويج المغتصبات منهن بغطاء قانوني بشع عنوانه المادة 308 من قانون العقوبات.
والمشكلة، يا سادة، أن المرأة العربية عموما، والأردنية خصوصا، حين تختار خوض فكرة العمل والخروج من منزلها، يظل عليها أن تضمن أولا قدرتها على الوفاء بوظيفتها الأولى، وهي الأمومة بدرجة كبيرة، وإدارة شؤون منزلها وعائلتها.
ثم، ما المشكلة في طلب الملوخية أو حتى الباميا والجميد؟! حتى أرباب الأسر من الرجال قد يفكرون بشيء من احتياجات أسرهم. ويكفي السيدات الأعضاء في مجلس النواب أنهن يبحثن عن الملوخية، وليس عن تقديم صك بالثقة إن ضحك الوزير الفلاني أو ابتسم زميله العلاني، وفق إحدى الرسائل المتبادلة في المجلس!
السيدة النائبة لم تطلب وظيفة أو واسطة مقابل منح الثقة، فما بالنا وقد صار كل شيء لدينا عرضة للنقد والسخرية والتقليل من شأن الآخر، لأي سبب كان؟!
لا يقلل من شأن المرأة العاملة أن تهتم بشؤون عائلتها، على العكس؛ يفترض أن يضاعف ذلك احترامنا لها، من حقيقة ما تعانيه في سبيل تحقيق التوازن بين كل مهماتها على اختلاف الدور وماهيته.
ولا يقلل من شأن النساء النواب أن يطهين ويغسلن ويراعين أبناءهن. بل ما يضعفهن هو العجز عن القيام بالدور التشريعي والرقابي تحت القبة، وأن لا يجهدن كفاية لتعديل كل التشريعات الظالمة للنساء، والتي توقع عليهن أشكالا مختلفة من التمييز السلبي. بعبارة أخرى، ما يعيب النساء النائبات وغيرهن ليس التفكير بـ”مونة” المنزل وحاجات الأسرة، بل التقصير في عملهن وعدم الدفاع عن حق النساء في الاختيار، لصالح الخضوع لمجتمع ذكوري ما يزال يرفض خروج المرأة للعمل.
بالمناسبة، التعليقات السلبية لم تصدر فقط عن ذكور؛ بل ثمة نساء كثر سخرن من الملوخية. وجميع هؤلاء مطالبون بالاعتذار.