لم يكن السؤال إن كانت الحكومة ستنال ثقة النواب أم لا، فالمبدأ محسوم سلفا؛ ليس لأن الأغلبية مضمونة فقط، بل لأن المعارضة في البرلمان لا تملك مشروعا بديلا لمشروع الحكومة.
أربعون نائبا حجبوا الثقة عن الحكومة. ليس هذا بالرقم القليل، مقارنة مع مجالس سابقة، نالت فيها حكومات أرقاما قياسية. لكن الأربعين نائبا بينهم من التباينات والاختلافات ما يفوق ما لديهم من خلافات مع الحكومة، لدرجة يستحيل معها أن تتحول هذه المعارضة إلى كتلة متماسكة أو تيار برامجي تحت القبة.
والشيء ذاته ينطبق على مانحي الثقة؛ من حيث اختلاف الدوافع والمصالح والأسباب التي حدت بهم إلى منح الثقة للحكومة.
وفي الحالتين؛ الثقة والحجب، لم يكن مضمون البيان الوزاري هو العنصر الحاسم في اتخاذ النواب لقرارهم. فهناك من منح الثقة طمعا بخدمات لقواعده الانتخابية، ومن حجبها استجابة لمزاج قاعدته الانتخابية.
ماذا يعني ذلك؟
يعني أن النواب الـ84 الذين منحوا الثقة، لن يكوّنوا أغلبية دائمة ومستقرة للحكومة في البرلمان. وأن النواب الـ40 ليسوا جميعهم معارضة ثابتة على نفس الموقف تجاه سياسات الحكومة في المستقبل.
خريطة الطرفين ستظل متحركة، ومتأرجحة، ربما باستثناء كتلة الإصلاح المحسوبة على حزب جبهة العمل الإسلامي. وسنجد نوابا منحوا الثقة للحكومة، وهم يعارضون قرارات لها أو سياسات في المستقبل. ومن الحاجبين من يساند تشريعا تتقدم به الحكومة.
ولأن تركيبة البرلمان الحالي مشابهة إلى حد كبير لتركيبة البرلمان السابق، فإن بالإمكان التنبؤ بسير العلاقة بين الحكومة والنواب في المرحلة المقبلة. علاقة تتخللها مطبات كثيرة، ومشاحنات حول قضايا معلومة مسبقا، وأخرى طارئة. وفي مناسبات عديدة، ستتلفت الحكومة حولها ولن تجد من النواب الذين منحوها الثقة من يساندها في مواجهة هجوم نيابي.
ولن يقتصر الأمر على ذلك. ففي أحيان كثيرة، ستكون المواجهات بين النواب أنفسهم أشد وأسخن من مواجهاتهم مع الحكومة. ولنتذكر أن جميع “الطوشات” التي وقعت في المجلس السابق كانت بين النواب أنفسهم، ولم يكن الوزراء طرفا فيها.
من الناحية الدستورية، حكومة الدكتور هاني الملقي حصلت على الرخصة التي تتيح لها ممارسة عملها بشكل قانوني، ولن تواجه في المستقبل المنظور خطر فقدانها أو سحبها. لكن، وبالنظر إلى غياب الطابع الحزبي والبرامجي عن مجلس النواب، فإن عليها كلما فكرت باتخاذ قرارات مفصلية، أن تخوض في جدال طويل أشبه ما يكون بمناقشات الثقة، لكي تعبر بخطتها قبة البرلمان.
اعتبارا من الجلسة الأولى بعد تصويت النواب على الثقة، يتعين على الحكومة أن تدخل البرلمان من دون أن تضع في حسابها وجود 84 نائبا إلى صفها، أو 40 نائبا ضدها. سريعا ستتفكك الموالاة والمعارضة، لا بل إن نوابا كثرا لا يعودون يتذكرون إن كانوا قد منحوا الثقة للحكومة أو حجبوها. والحكومة ذاتها لن يكون بمقدورها أن تميّز بين من منحها الثقة ومن حجبها.
المواقف ستختلط لدرجة يصعب معها تمييز الألوان تحت قبة البرلمان.