في غضون أسابيع قليلة، ستُخلي أمانة عمان حدائق الملك عبدالله الأول مما تبقى من مكاتب تأجير السيارات، لتبدأ بعد ذلك عملية شاملة لترميمها وتأهيلها. لكن من أجل أي نوع من الاستخدامات؟ هنا المسألة.
الحدائق معلم معروف وسط عمان الغربية، وتبلغ مساحتها حوالي 85 دونما. ومن حيث القيمة السوقية، تقدر قيمتها بنحو 200 مليون دينار.
أمين عمان الكبرى عقل بلتاجي، لديه أفكار يمكن وصفها بالأولية حول ما يمكن عمله بالحدائق. لكن الرجل لا ينوي فرض وجهة نظره حول مستقبل الحدائق، ويفكر بطرح الموضوع للنقاش ولا نقول الاستفتاء على أبناء عمان، ومهندسي تخطيط المدن والمعماريين من أصحاب الخبرة والأفكار الخلاقة.
ثمة أفكار متداولة على نطاق ضيق؛ كلاسيكية وغير خلاقة أبدا، ولا تخرج عن السائد من ثقافة السوق في التعامل مع هوية المدينة التي تترنح وسط أزمات مركبة، تكاد تجعل من مدينة الجبال السبعة، غابة إسمنتية، وكراجا عملاقا للسيارات.
أفكار من قبيل تخصيص مساحات من الحدائق كمواقف للسيارات، ومجمع لباصات النقل العام، إلى جانب مطاعم وأسواق، وأماكن ترفيهية.
الحدائق في الوقت الحالي مزروعة بالمباني الإسمنتية، والمجسمات المعمارية القبيحة حقا، مع القليل من الخضرة والأشجار. ومن حولها أحياء سكنية وتجارية مكتظة، وبمحاذاتها تقاطع مروري صار يحمل اسمها “إشارة الحدائق”.
اقتراحي، وهو برسم النقاش لدى المختصين في أمانة عمان، هو في تحويل الحدائق إلى حدائق بالفعل؛ غابة من الأشجار، والساحات الخضراء للمتنزهين، لا حجر ولا أسواق فيها. غابة تمنح فضاء المدينة وسكان الأحياء القريبة متنفسا نقيا، ومكانا لممارسة مختلف الرياضات.
لا تتأخر أمانة عمان عن استغلال كل مساحة ممكنة لزراعتها بالأشجار، وقد شيدت عددا لا بأس به من الحدائق. لكن ينبغي أن نظل في سباق مع غابات الإسمنت التي تقدمت علينا بأشواط، ولم تترك لنا إلا القليل. ومن هذا القليل بقعة ثمينة في قلب عمان، نحن في أمسّ الحاجة إليها، لتكون علامة خضراء وسط الزحام المعماري والسكاني.
إن تفكير أمين عمان بفتح حوار مع أهالي المنطقة وأصحاب الخبرة لتقرير مستقبل الحدائق، خطوة عصرية ممتازة، لأن من حق دافعي الضرائب وسكان العاصمة، أن يكون لهم رأي في كل ما يختص بشؤون حياتهم. ففي عديد المدن حول العالم، تنظم البلديات استفتاءات للسكان حول خططها ومشاريعها لتطوير مدنهم، وتحرص على إشراك أوسع قطاع ممكن من المواطنين في تحديد الأولويات قبل اتخاذ القرارات.
في سويسرا التي تعتمد نظام الاستفتاءات على نطاق واسع، تطلب حسم مصير شجرة معمرة في إحدى المدن، تنظيم استفتاء على مستوى المقاطعة، لتقرير مصيرها.
وفي معرض الدفاع عن اقتراحي، أضيف أن المناطق المحيطة بالحدائق تعج بالمطاعم والأسواق التجارية، ومواقف السيارات. يكفي هنا الإشارة إلى منطقة العبدلي “البوليفارد” التي تقدم خدمات ترفيهية وتسويقية لجمهور كبير، ومؤخرا تم افتتاح “مول” تجاري كبير بجانبها.
لكن كل هذه المنطقة التجارية على أهميتها، تفتقر للمساحات الخضراء، فيما المباني العالية والأبراج، لا تترك حيزا للشعور بالفضاء العام، وتنفس الهواء.
امنحونا هذه القطعة الصغيرة لنتنفس منها قبل أن تخنقنا عوادم السيارات، وغابات الإسمنت.