عروبة الاخباري _ كتب سلطان الحطاب _ في التاريخ العماني المعاصر يلتقط المراقبون طلوع البذرة من الصخر حين يتابعون انبلاج النهضة العمانية الجديدة على يد أبرز سلاطين عمان , وأكثرهم قدرة على بلورة الشخصية العمانية , وتمكينها من المشاركة العالمية بقوة بعد انقطاع عزلت فيه عمان بعد أن كانت تأخذ حيّزها الواسع في التاريخ .
نطل على سلطنة عمان اليوم في زمن السلطان قابوس بن سعيد , وبمناسبة العيد السادس والاربعين من عمر النهضة العمانية , ومن عمر خدمة السلطان لبلده و ونقلها من نقطة الصفر الى ذروة يستطيع المراقب لها أن يرى حجم المسيرة و زخمها , وصدق توجهاتها , وقدرتها على ان تحمل آمال العمانيين , و أن تؤكد كرامتهم القائمة في الجغرافيا العمانية , والمستندة الى التاريخ والمؤهلة بالانجاز .
لم يركن السلطان قابوس وهو يقود مسيرة بلادة , ويطلق للعمانيين حريتهم ويمكنهم من حياة كريمة عامرة بالامل الى الشرعية التاريخية التي ظلت كتاب عمان المعتمد, بل اضاف لها شرعية الانجاز لتكون هي الاساس بعد ان ادركت دول العالم المتقدمة أن شرعية الانجاز هي الشرعية التي يلتف حولها الشعب ويتفاعل معها ويحمي مكاسبه فيها .
الناظر من خلال مناسبة العيد السادس والاربعين للمسيرة العمانية يلحظ شرعية الانجاز وقد تجلت في احسن صورها , ليست في الخطاب وانما في الواقع العملي و الملموس والمطبق , فعمان اليوم إن على الصعيد الداخلي او حتى الخارجي تعمل تحت الضوء وتراكم المزيد من العمل .
في كل مرة أزور فيها السلطنة أجد جديدا من الانجاز او من تفتح الافكار التي يحسن العمانيون التقاطها , ولعل التفاعل الشبابي في هذا المجال هو الاوضح عبر برامج عديدة تتوزعها الوزارات , فعمان تخلو من ارتال الشباب المتكدسين في الشوارع والعاطلين عن العمل , رغم ان البلاد ليست غنية , ولا هي موصوفة بعلامات فارقة في مجال انتاج النفط , حين توزع عمان مصادر دخلها وحيث يجد العمانيون طريقهم الى العمل في مجالات عديدة وخاصة الزراعة .
ما زالت عمان التي تجاوز مرض سلطانها مؤسس نهضتها تسير معه وعلى خطاه , وتتمسك بما زرع فيها من قيم وطنية وانسانية , وما ألهمها من مثل وانحياز الى العمل والانجاز , فلم تختلف ولم تحدث جدلا او خروجا عما رسمه لها من خرائط لاستمرار خطاها باتجاه اهدافها , وها هي تشهد احتفالات العيد الوطني السادس والاربعين بحضور سلطانها البهي مواصلا العمل ومسخرا الجهد لخدمة سلطنة عمان و دول الجوار , فعلى مدى سنوات طوال ظلت السياسة الخارجية العمانية تسير وفق مبادئ ثابتة أبرزها لا تدخل في شؤون الاخرين بالقدر الذي لا ترغب عمان من احد ان يتدخل في شؤونها , وبتسخير فائض القدرة العمانية على مساعدة الدول والجماعات من منظور انساني مستلهمة في ذلك تاريخها وموقعها الهام , فعمان اقامت وما زالت علاقات متكافئة مع مختلف انحاء العالم , وتعاون مشترك يقوم على الاحترام والمصالح الوطنية العمانية , وعلى السلام و الوئام والعمل على فض المنازعات بالطرق السلمية والوقوف الى جانب القضايا العادلة .
الدبلوماسية العمانية تترجم فكر السلطان و رؤيته وكذلك المؤسسات الاخرى وخاصة مؤسسات الاعلام , وخاصة مؤسسات الاعلام التي يقودها الوزير الدكتور عبدالمنعم الحسني الشخصية القريبة من الشباب والمفعلة لطاقاتهم في هذا المجال .
لقد سجلت السياسة الخارجية العمانية مواقف صلبة وواضحة داخل مجلس التعاون الخليجي , وفي الحرب الدائرة في اليمن اذ تعاطت عمان مع ازمات المنطقة بالاقليم بروح ايجابية , ويحرص في اخماد بئر التوتر والاشتعال , ودفعت الاطراف العديدة المختلفة الى الحوار والتفاوض , وان تنشد السلام والاستقرار , وكان للدور العماني في نزع فتيل الخلافات الخطيرة بين ايران والغرب دورا مشهودا ادى الاتفاق النووي الايراني مع هذه الدول كما ان الموقف العقلاني والموضوعي الايراني , ساهم في تحييد المواقف الايرانية وعمل على تقريبوجهات النظر مع الجارة الايرانية التي لا ترى فيها عمان ما تراه الانظمة العربية المتأثرة بالرؤية الامريكية .
كانت عمان ملاذا لمن خرجوا يبحثون عن النجاة فاستقلبت اسرة الرئيس اليمني البيض واسرة الرئيس الليبي الراحل العقيد القذافي , وساهمت في وضع مشروع الدستور الليبي بتوفير بيئه حاضنة لمن صاغوه واسند المصالحة الليبية , وحذرت من استمرار الانقسامات , واستمعت لوجهة النظر الفلسطينية في الصراع مع اسرائيل وفي المصالحة الفلسطينية من خلال لقاء اللواء جبريل الرجوب عضو اللجنة المركزية لحركة فتح مع وزيرالدولة للشؤون الخارجية العماني , و رأية في انهاء حالة الانقسام , ورغم حركة الجزر في اقتصاديات العالم وسياساته والفرص المتاحة للسلام والتعاون الدوليين إلا ان عمان ظلت تمسك بانجازاتها ومكاسبها وتحافظ على ذلك بل وتتقدم وفي هذا السياق , عززت السلطنة دور المؤسسات فيها لتكون دولة مؤسسات وقانون فكان افتتاحها للمحكمة العليا هذا العام2016 ، كما نشطت المجالس البلدية وجعلت من الانتخابات فيها تقليدا راسخا حيث ستجري الانتخابات مرة جديدة مع نهاية هذا العام.
وفي مجال التنمية الاقتصادية فإن عمان لم تجعل النفط سلعتها الوحيدة لموازنتها العامة بل ظلت تحرص على تنويع سلة الاقتصاد الوطني بكفاءة .. ولذا فإنها رشدت الانفاق وعملت على زيادة الصادرات وعملت على رفع انتاج نفطها ليتجاوز مليون برميل يوميا.. وفي خضم الازمات حظيت السلطنة بتقدير مميز لأدائها في مجالات اقتصادية عديدة في مؤشر التنافسية العالمي لعام 2016 ووسعت المناطق الاقتصادية الخاصة بالدقم وجعلتها نموذجا وضمت منطقة راس مركز الى المنطقة الاقتصادية الخاصة , ومنحت حق الانتفاع والتطوير لانشاء المدينة الصناعية الصينية العمانية , باستثمارات تخطت ( 10 ) مليار دولار اميركي , وقد عملت السلطنة بجد لتحقيق الامن الغذائي , في اكثر من قطاع انتاجي واستثماري , كما انشأت الصندوق الوطني للتدريب وحرصت على توسيع البنية التحتية وتمتينها في مجالات السياحة والنقل والتعليم والصحة وغيرها , كما عززت دور قواتها المسلحة القوات المسلحة السلطانية لتظل عمان مستقرة و عزيزة .
في العيد السادس والاربعين من عمر مسيرة سلطنة عمان فان المراقب العربي مثلي لا يملك الا مباركة هذه المسيرة الخيّرة و تمني النجاح لها في ظل قائدها الذي اولى شباب عمان من خلال حكومته واجهزتها كل عناية ووجهم واخذ بايديهم , و جنبهم الكثير من المزالق , و لذا جاء ربيع عمان صحيا بعيدا عن الصخب والفوضى التي عصفت باطراف كثيرة .
أكتب من روح زيارتي الاخيرة الى عمان عشية العيد الوطني , وانا اساهم في حفل التكريم للمؤلفين عن عمان بكتابي ( سلطنة وسلطان .. أمة وقائد ) الذي حظي بالاهتمام والرعاية وترجمته لاكثر من لغة , فمبروك لسلطنة عمان عيدها السادس والاربعين في مسيرة ظافرة .
في العيد الوطني السادس والاربعين لسلطنة عمان الاصرار على مواصلة الرحلة ..
21
المقالة السابقة