قالوا إنه غير مؤهل للمنصب الذي يكافح للوصول إليه. وإنه يفتقر إلى الخبرة. ولم يخرج يوماً من صندوقة اقتراع. وإنه تلوى على مدى عقود بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي. وإن وصوله سيوقظ الأحقاد داخل الأسرة الأميركية وبين مكوناتها. وإنه يخدع الناس بشعارات براقة واستفزازات شعبوية.
حذروا من وضع الزر النووي في عهدة رجل متقلب وقادر على ارتكاب مفاجآت مدوية. وقالوا إن البيت الأبيض ثروة كبرى لا يجوز وضعها في عهدة مقامر. واعتبروا أن نجاحاته في سوق العقارات وعالم الترفيه والكازينوات لا تجعله صالحاً للمقامرة في كازينو العلاقات الدولية.
وقالوا إن سيرة هذا البليونير الصاخب غامضة وملتبسة، بما فيها علاقته بتسديد الضرائب. وإنه لا يشبه أياً من الرؤساء الذين تعاقبوا في العقود الماضية. وتحدثوا عن جمل قصيرة فارغة وساذجة يخاطب بها الساخطين أو المتضررين. ورأوا أن وصوله إلى المكتب البيضاوي سيلحق أفدح الأذى بصورة بلاده.
تعاملوا معه في البداية بقدر من الاستخفاف. اعتبروا أن الثري يحاول دائماً إضافة متعة السلطة إلى متعة الثراء. وأنه سينفق بعض ثروته ثم يرغم على مغادرة السباق. وحين لم يغادر بذلوا جهوداً هائلة لاعتراضه. سياسيون وإعلاميون حاولوا بناء سد في وجهه. أيد بعضهم هيلاري كلينتون على رغم عدم إعجابهم بها واعتبارها «غير جديرة بالثقة». لكنه كان يتقدم كالبلدوزر.
أطلق حملته وراح يتفنن في إلقاء القنابل. استفز الأميركيين ذوي الأصول الأفريقية. واستفز الأميركيين الوافدين من المكسيك وسائر المهاجرين والمتسللين. واستفز المسلمين أيضاً. بدا وكأنه يحاول التسلل إلى قلب الرجل الأبيض الساخط على المؤسسة. وحين فرض نفسه مرشحاً أصيب الحزب الجمهوري بارتباك عميق. نفض كثيرون أيديهم منه. لن يؤيدوا رجلاً تحرش بهذا العدد من النساء وأطلق ألفاظاً بذيئة. واعتقد كثيرون أنه تلقى طعنات قاتلة لا شفاء منها. وفي وجه كل هذه العواصف كان يتصرف كملاكم عنيد. يتلقى الضربات ويسدد الضربات.
وانهمرت التحليلات التي تحذر من خطورة فوزه بلقب السيد الرئيس، ومن خطورة ميله إلى الإخلال باتفاقات والتزامات تتعلق بحرية التجارة والمناخ والدفاع عن الحلفاء والأصدقاء، ومن خطورة خيط الود الذي يربطه بالقيصر الروسي الذي سقطت ورقة التين عن سياساته الهجومية العدوانية. وباستثناء روسيا، فإن الرأي العام في الدول القريبة والبعيدة كان يفضل أن يرجع من الانتخابات مهزوماً.
كرهوه وذهبوا بعيداً. هذا قال إنه سيتنازل عن جنسيته الأميركية إذا ارتكب الأميركيون خطأ بحجم فوزه. وقال آخر إنه سيهاجر إلى دولة أخرى إذا وقع البيت الأبيض في يده. وقال ممثل معروف إنه يشتهي أن يوجه لكمة إلى وجهه. وترك باراك أوباما مكتبه وجال لمنع وقوع أميركا في ما لا تحمد عقباه. وراحت استطلاعات الرأي تؤكد أن فوز هيلاري مرجح ولو بهامش ضئيل.
كل هذا الكلام من الماضي. قالت صناديق الاقتراع كلمتها وتوجته. لم يبق أمام كارهيه غير تجرع سم الإقامة في عهده. هذا ليس بسيطاً. خالوه عاصفة عابرة ثم اكتشفوا أنه إعصار كبير.
سهر كثيرون من أهل الكوكب لمعرفة النتائج. بين من سهروا سيد الكرملين. وسيد الإليزيه. وسيدة 10 داونينغ ستريت. والمستشارة الألمانية. ووريث عرش ماو. ووريث الخميني. وحفيد كيم إيل سونغ. أدركوا باكراً أن إعلان فوزه سيشبه إلقاء صخرة هائلة في البحيرة الدولية.
من المبكر التكهن بما سيفعله الرئيس. وبقدرة المؤسسة وشبكة المصالح على عقلنة ما طرحه المرشح في طريقه إلى البيت الأبيض. لهذا حاول في خطاب الفوز أن يطمئن بلاده المصابة بانقسام عميق.
لم يطرح سياسة خارجية واضحة أو متكاملة. ستكون المفاجآت واردة والانعطافات ممكنة. شيء من الحيرة سينتاب الدول المنخرطة في نزاعات. بين المغامر الوافد إلى البيت الأبيض والمغامر المقيم في الكرملين لا يملك المستشار ما ينصح به الحاكم غير «سيدي الرئيس، لا تنس حزام الأمان».