الحديث عن التحول والتغير والتطوير التنموي والاقتصادي للدولة والمجتمع أصبح حديث الساعة، الذي من المؤكد أنه سيستمر سنوات طويلة، فكل يتكلم ويبدي وجهة نظره فيه من خلال تخصصه، لنصل الحلقات ببعضها ونخرج بنتيجة تمهد لنا طريق الهدف وتختصر لنا زمن الوصول إليه.
كثرت الدراسات والنقاشات والخطط التي تصب في قوالب تشكيل مفاتيح لأبواب التطور الاقتصادي، وقلّت الدراسات والمقترحات والتدابير التي تجعل من البيئة الاجتماعية تربةً خصبةً لنبات اقتصادي وفير الثمر خال من المشكلات الاجتماعية التي قد تعوق سلامة نموه.
ما دفعني إلى كتابة هذه المقالة هو إحصاءات رسمية لعقود الزواج والطلاق، يظهر منها أن حالات الانفصال الرسمي بلغت ٧ حالات طلاق مقابل ١٠ حالات زواج عام ١٤٣٥وهي في تزايد مستمر، هذا غير الانفصال غير الرسمي الذي يجمع أزواجاً داخل جدران بيت واحد بانفصال عاطفي وطلاق فكري غير رسمي!
عدم الاستقرار الأسري، بحسب النظريات الاجتماعية والنفسية، يعتبر من أكبر العوائق التي ستواجه مسيرة التنمية المجتمعية، لأن الأسرة استقرار والبيت وطن مصغر يمنحنا الأمان، ومتى اغتربت القلوب وهاجرت الأرواح فقدنا التوازن الذي سيضبط كل شيء. لذا، يجب أن نعمل أكثر على تسليط الضوء على حال الأسرة ومشكلاتها. فما هي أهم أسباب تصدع العلاقات أو كسرها؟
في دراسة بحثية – قرأتها – قام بها علماء نفس واجتماع، وجدوا أن رفيق الأحلام بالنسبة إلى الطرفين قد يكون سبباً في إحباطات واقع العلاقة، لأن ساكن الحلم غالباً ما يكون وهماً لا وجود له، وأن هناك من يمكن أن نعيش معه حياة أقرب إلى السعادة إذا لم نخضعه لاختبارات مواصفات ومقاييس صارمة نختبر فيها مدى مطابقته رفيق الخيال، أو نمضي سنوات طوالاً في محاولة تغييره وإعادة تشكيله بما يشبه فتى أو فتاة الأحلام، من دون مراعاة ميوله وحاجاته ونمط شخصيته، وبذلك نفقد التواصل ونضيع التفاهم وندور في حلقة مفرغة لا سبيل لنا إلى الخروج منها إلا بالطلاق!
الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعاني منه كثير من الشباب في وقتنا الحالي سبب رئيس في مشكلات انهيار العلاقات الزوجية، فمجتمعاتنا لا تهمل الماديات ولا تعرف البساطة في كل أمور الحياة، سواء في تكاليف الزواج أم بعدها في الطعام والملبس والأثاث والسيارة، إلى آخر تلك المظاهر المصاحبة لكثرة المناسبات الاجتماعية وكمالياتها، ما يرهق الشاب والفتاة ويجعلهما في ركض دائم للحصول عليها من دون أن يثبتا علاقاتهما العاطفية بأوتاد قوية من تفاهم وعاطفة وحب يجعل ما بينهما – باعتبارهما زوجين – أقوى مما بينهما وبين الناس.
من أسباب فشل الزواج أيضاً الاختيار الخاطئ للشريك، المبني على اعتبارات جمالية أو اجتماعية أو اقتصادية لا تهتم أبداً باختبار مدى التوافق العقلي والفكري والعاطفي بين الزوجين، ما يبني حاجزاً صلباً بين الاثنين، وبعد أن يصحو الشريكان من نشوة الزواج وفرحته يكتشفان أنهما لا يستطيعان أن يكونا سنداً لبعضهما في مشوار الحياة؛ للتباينات الكثيرة بينهما.
لحل المشكلات المتعلقة بمنظومة الزواج، والحفاظ على هيبته، لا بد أن يدرك الزوجان أهمية هذا الارتباط، وأنه أساس تقوم عليه أسر تبني مجتمعاً، وأن الكمال ليس للبشر، لذلك فلابد من بعض التنازلات في ما يمكن التضحية به من أجل استقرار يستحق.
وحدد الباحثون أربع مؤشرات لقرب انتهاء العلاقة، وهي التقليل من شأن الآخر، وتبادل الاتهامات بالمسؤولية عن الوضع السلبي للعلاقة، ووجود جدار يمنع المشاعر من الوصول إلى الطرف الآخر، والانسحاب من حياة الآخر. وطالب العلماء بتطبيق القاعدة التي وضعتها الخبيرة الأميركية في العلاقات الزوجية جولي غوتمان «بأن كل عبارة سلبية ينطقها أحد الزوجين لا بد أن تقابلها خمس عبارات إيجابية لتزيل أثرها». لذا يجب أن نتعلم أن للقلب حقاً وللعقل حقاً فلا يطغى جانب على جانب، وأن التقدير والاحترام وتحمل المسؤولية ومراعاة الشعور أساسات من دونها كل بيت زوجي آيل للسقوط، وأن ٨٠ في المئة من المشكلات والخلافات والفتور بين الزوجين تنتهي من خلال حوارات صادقة برغبة في تخطي عثرات السقوط في بئر الانفصال، التي لا أمل في الإنقاذ منها، على أن تكون هناك ثقة متبادلة، وأن يكون الحديث بصيغة «نحن» لا «أنا»، لأن الحياة الزوجية ثنائية وليست فردية القيادة.
الشروخ والتصدعات والانهيارات الأسرية لها أسباب كثيرة لا تكفي المساحة لسردها، ولكننا نحاول أن نطرح بعضها هنا، علّنا نسهم في تسليط الضوء عليها ليكثر البحث في أسبابها وحلها لتنمية مستقبلية ناجحة.