أكّدت المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان رافينا شامداساني، أنّ تنظيم داعش طلب من الأهالي في مدينة “حمام العليل” القريبة من الموصل، التي سيطرت عليها القوات العراقية مؤخراً، أن يسلموا أطفالهم، الذين تتجاوز أعمارهم التاسعة للتنظيم للمشاركة في القتال!
لو فرضنا أنّ هذه المعلومات غير دقيقة، وتأتي من باب الدعاية المضادة للتنظيم، فإنّها لا تختلف عن حقائق أخرى عديدة مرعبة، تحدثنا عنها سابقاً مراراً وتكراراً، مرتبطة بالأهمية الكبيرة التي يعطيها التنظيم للتنشئة والتربية للأطفال والمراهقين الصغار، ورهانه المستقبلي عليهم، لكي يحملوا “جرثومة” الأيديولوجية المتطرفة.
يخصص التنظيم أفلاما خاصة تتحدث عن “فتيان الخلافة”، وقام خلال الأعوام الماضية بدور كبير في التأثير عليهم أيديولوجيا وفكرياً، فضلاً عن التدريبات العسكرية، وعمل على تغيير المناهج الدراسية في المدارس وعقد دورات تدريبية خاصة لهم، ما يجعلنا إلى الآن غير متأكدين ولا قادرين على الحكم على حجم الأثر الواضح وبعيد المدى، الذي أحدثه التنظيم على جيل كامل من الصغار والفتيان والمراهقين في المناطق التي يسيطر عليها، أو من أبناء الأعضاء الملتزمين معه، وهم بالآلاف.
المسألة، إذاً، تتجاوز القلق من تجنيد التنظيم لعدد كبير من الفتيان، يمكن – بل على الأغلب- أن يشاركوا في معاركه القادمة، في الموصل أو في الرقة والمناطق الأخرى، وهذا بحدّ ذاته كارثة إنسانية حقيقية، سواء لمن سيقتل منهم، أو يُعتقل، أو أي مصير بعد ذلك يتطلب علاجاً نفسياً نوعياً خاصة، وإعادة تأهيل ثقافية واجتماعية وفكرية.
المعضلة أو الكارثة الكبيرة لا تقف عند هذا المستوى؛ أي الأطفال الذين يجنّدهم تنظيم داعش، بل تتجاوز ذلك إلى الظروف المحيطة بمئات الآلاف من الأطفال السوريين والعراقيين، الكفيلة بخلق جيل غاضب محبط ساخط، ذاق الويلات، جيل الانتقام، أو الجيل الحقيقي البغدادي القادم.
بدلاً من التفكير في عملية إعادة التأهيل لهؤلاء الأطفال والشبان، في المدن التي تحررت من تنظيم داعش، يجدون أنفسهم أمام ميليشيات الحشد الشعبي، في ظروف إنسانية قاسية، إما أنّهم يتعرضون لاختبارات نفسية وجسدية وتعذيب، كما تثبت العديد من الوثائق والشهادات والفيديوهات التي شاهدناها، في تعامل الميليشيات مع الأطفال، أو أنّهم يرون ذويهم من سكان تلك المدن، في حالة مزرية من الخوف والإذلال وانتظار المصير المجهول إلى حين التأكد من عدم علاقتهم بداعش، أو رأفة قائد الميليشيات الطائفية بهم، فمثل هذا المشهد كفيل بحدّ ذاته أن يعيد تشكيل وصوغ نفسية أولئك الأطفال ونظرتهم لأنفسهم والآخر والعالم من حولهم!
زد إلى هذا الجيل من عشرات الآلاف من الأطفال والفتيان العراقيين مئات الألوف من الأطفال السوريين في المخيمات في دول الجوار، أو في الحصار في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، تحت القصف والقتل، أو المخيمات التي تقع على الحدود، مثل الركبان والحدلات، وبعضهم أصبح له بطبيعة الحال أعوام عديدة في هذه الظروف، أي أنّ المخيمات والظروف الإنسانية القهرية هذه أصبحت هي بيئتهم المحيطة، التي تشكل ثقافتهم الشعورية والمعرفية.
كل ذلك إذا استثنينا ما تسميه الدراسات الجديدة بـ”الجيل غير المرئي”، في المخيمات، الذين لا يمتلكون وثائق تثبت ولادتهم في المخيمات، أو الأجيال التي انقطعت عن التعليم والدراسة، وتشير النسب في الأردن إلى ارتفاع كبير في أعداد الأطفال السوريين المتسربين من المدارس لإعالة أسرهم؟
بالطبع لم نتحدث بعد عن اليمنيين والصوماليين وباقي المناطق المحيطة. القصة ليست فقط في الأطفال الذين يجندهم داعش ويستخدمهم في الحرب، بل في الجيل القادم نفسه، بل هو السيسيولوجيا العربية نفسها الكفيلة بإنتاج جيل قادم مرعب!