درست في جامعة جورجتاون في ثمانينات القرن الماضي، وأقمت قرب مبنى ووترغيت، أو مسرح الفضيحة المشهورة التي انتهت باستقالة ريتشارد نيكسون. كنت أعد لأطروحة دكتوراه عن الثورة الفلسطينية وأكتب زاوية يومية، ولي مكتب في مبنى ملاصق لفندق ماديسون ويحمل الاسم نفسه أرصد منه الأخبار التي تفيد القارئ العربي.
قبل أن تنضم أسرتي إليّ في واشنطن، كنت أذهب إلى مقهى ومطعم صغير في الطبقة الأرضية من مبنى ووترغيت. فوجئت يوماً بتبولة في براد زجاجي وفوقها الكلمات «سلطة يهودية». إذا كانوا ارتكبوا جناية سرقة الأرض تصبح سرقة التبولة جنحة بالمقارنة. كنت ولا أزال أقاطع كل شيء إسرائيلي بانتظار قيام دولة فلسطينية في 22 في المئة فقط من أرض فلسطين، وقاومت شراء التبولة، ثم اشتريت أقل قدر ممكن منها. كانت ذات مذاق غريب، والبرغل فيها لم يُنقَع في الماء فترة كافية، ووجدت أنها خَلَت من بعض عناصر التبولة كما نعرفها.
سبق أن أشرت إلى هذه التبولة قبل 30 سنة، وأشعر بأن من حقي أن أعود إليها وأنا أقرأ في «نيويورك تايمز» مقالاً عنوانه «إقبال إسرائيلي على المطبخ الفلسطيني»، كتبته امرأة زارت مطعم «مجدلينا» في طبريا الذي يملكه الفلسطيني يوسف حنا. الكاتبة وزوجها أكلا «شيشبرك» وقطايف وحلاوة الجبن وأعجبا بكل ما تذوقا.
المقال طويل وينتهي بأسماء مطاعم تقترح الكاتبة على القراء زيارتها.
ربما كان ما سبق استدراجاً للقارئ بما يفتح الشهية. أما البقية فقد تجعله يتذكر أي أيام هذه التي نعيشها جميعاً.
قرأت تحقيقاً آخر عن المحامية الفلسطينية ريما شماسنة التي تدافع عن النساء الفلسطينيات في قضايا زواج وطلاق ونفقة وحضانة الأولاد. ريما كسبت لممرضة فلسطينية قضية ضد زوجها المتَّهَم بضربها وسكب شاي ساخن عليها ومنعها من زيارة أمها المريضة. الفوز لم يكن من دون ثمن فقد تنازلت الممرضة لزوجها عن المتأخر من المهر المكتوب في عقد الزواج.
أرى أن المرأة تقدمت في كل بلد عربي من دون أن تحصل على حقوقها كاملة. بلدان الشمال العربي ومصر كانت سبّاقة في هذا المجال، إلا أن دول الخليج لحقت بها وربما تجاوزتها في السنوات الأخيرة، وثمة «معلومة» أنتظرها من سنة إلى أخرى، ففي المملكة العربية السعودية تصدر قائمة بالمتفوقين والمتفوقات في نهاية السنة الدراسية، وأقرأ أن المتفوقات أكثر من المتفوقين في أكثر ميادين التخصص الجامعي.
أعود إلى إسرائيل، فهناك خبر يتردد فيها أكثر مما يتردّد في الصحافة العربية هو مَنْ يدير السلطة الوطنية بعد الرئيس محمود عباس وعملية السلام وغير ذلك؟
أرى أن أبو مازن قاعد على قلوبهم، فهو لن يرحل لأنهم يريدون ذلك، ثم إن هناك انتخابات في فتح هي تقرر ما يريد أعضاؤها. ميديا إسرائيل تتحدث باستمرار عن محمد دحلان، كأنه سيكون الزعيم المقبل. هو بعيد جداً من خلافة الرئيس عباس، فهو أصلاً من قطاع غزة، ولا شعبية له في القطاع، ناهيك عن أن تكون له شعبية في الضفة الغربية. ربما كان له بعض التأييد الخارجي إلا أنه بين الفلسطينيين «خبر أمس» ولن يعود إلى القيادة مهما حاول.
اليوم العملية السلمية تواجه مصير دحلان نفسه، فالحكومة الإسرائيلية إرهابية مجرمة ولا سلام معها، والسلطة الوطنية تعرف أنها أمام حائط مسدود ولا تحاول أكثر من إدانة إسرائيل في الأمم المتحدة حيث الفيتو الأميركي يقف بالمرصاد لإحباط أي محاولة من الفلسطينيين والدول العربية والمسلمة لإصدار قرار يدين إسرائيل.
وأنتهي بخبر فاجأني، فالصحافي الإسرائيلي آري شافيت استقال من برنامج تلفزيوني وجريدة «هآرتز» بعد اتهامه بتحرش جنسي بامرأتَيْن يهوديتَيْن أميركيتَيْن. قرأت له شبه اعتراف بالتهمة ونصف اعتذار. كان كاتباً منصفاً مثله في إسرائيل قليل.