دائما كانت انتخابات الرئاسة الأميركية محط اهتمام العالم، نظرا لما تتمتع به الدولة الموصوفة بالإمبراطورية من نفوذ عالمي، وتأثير بالغ على جميع الصعد.
لكن ربما هى المرة الأولى التي يسود فيها الشعور وعلى ونطاق عالمي واسع، بأن لفوز أحد المرشحين تهديدا مباشرا لمصالح الناس العاديين وليس الدول فقط.
بمعنى آخر، وجود مرشح غريب الأطوار مثل دونالد ترامب، هوما منح الانتخابات الأميركية أهمية استثنائية، تفوق أحيانا أهمية الانتخابات المحلية في بعض البلدان.
في الأردن على سبيل المثال، يبدو لي أن الاهتمام بانتخابات الرئاسة الأميركية عند المواطنين العاديين يفوق اهتمامهم بانتخابات رئاسة مجلس النواب المقررة اليوم. ترامب أم كلينتون؟ سؤال يتقدم في الجلسات العامة على سؤال الدغمي أم الطراونة؟
كان وصول مرشح من الأميركان السود “باراك أوباما” إلى السباق النهائي في أول دروة له، هو ما أضفى أهمية خاصة على الانتخابات الأميركية قبل 8 سنوات.
وكان لترشح سيدة “هيلاري كلينتون” لهذه الانتخابات أن يكون العنوان الأبرز، والحدث الأهم في حال فوزها. لكن وجود مرشح من طراز ترامب، سيخطف الأضواء عن كلينتون في حال فوزها كأول سيدة تبلغ منصب الرئاسة في الولايات المتحدة.
سلوك المرشح الجمهوري، ومواقفه العنصرية من الأقليات، وملف فضائحه النسائية، كانت هى المحفز لهذا الاهتمام العالمي بالانتخابات الأميركية، والذي تجاوز النخب ليطال قطاعات شعبية واسعة لا تكترث في العادة للأحداث السياسية.
المسلمون على سبيل المثال صاروا أصحاب قضية في الانتخابات بسبب مواقف ترامب العنصرية حيالهم. الطامحون بالهجرة للولايات المتحدة باتوا معنيين بأن لايصل ترامب إلى البيت الأبيض، كي لا يضيّع حلمهم بالهجرة. النساء وعلى نطاق عالمي يردن الانتقام من ترامب بسبب سلوكه المخزي تجاه النساء من ضحايا تحرشه الجنسي.
بشكل عام بدت الحملات الانتخابية في أميركا هذه المرة، وبفضل ترامب، شأنا شخصيا لملايين البشر حول العالم، أكثر من كونها شأنا سياسيا يخصّ طبقة من المهتمين بالشأن العام.
ويعود ذلك بدرجة كبيرة إلى تركيز المرشحين: ترامب وكلينتون على الخصوصية، أكثر من أي موضوع أخر. وتبدّى ذلك في تبادل الاتهامات، وتقليب صفحات الماضي، بحثا عن أسرار وفضائح يثيرها كل مرشح في وجه الأخر.
وسائل الإعلام المنحازة بشكل غير مسبوق لصالح كلينتون، ساهمت في تغطياتها بإضفاء طابع مستفز للحملات الانتخابية، لكنه في نفس الوقت جاذب للمتابعة؛ ليس في الولايات المتحدة فقط، بل في أرجاء العالم كافة.
لقد ظهرت أميركا خلال الأسابيع والأشهر القليلة الماضية كأمة منقسمة أكثر من كونها بلدا ديمقراطيا وتعدديا، يعيش جولة روتينية من الانتخابات الرئاسية. طروحات ترامب، وإن لم تكن جمهورية خالصة، هي المسؤولة عن خلق هذا الانقسام الذي اتخذ طابعا اجتماعيا ودينيا، يبدو غريبا على دولة نهضت على أكتاف المهاجرين. بيد أنه ليس غريبا أبدا على عالمنا هنا الذي اكتشف فقط أن هناك شيئا ما في أميركا يشبهنا؛ ترامب بما يمثل من أفكار عنصرية.