أبشع من جريمة قتل الابن لوالدته، قبل أيام، كان نشر صور الضحية وهي غارقة في دمائها، بعد فصل ابنها رأسها عن جسدها! وقد تداول الصورة مواقع إخبارية وناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي.
ونشر البعض لتلك الصورة إنما يجسد حالة التهتك المجتمعي والأخلاقي التي بلغناها، في تعبير فاضح عن فكرة أن كل الأمور والأشياء فقدت حرمتها لدينا، وأن القيم تكسرت على واقع مجتمع أجبن من يعترف بأخطائه وأمراضه.
ليست هذه المقارفة الأولى، ولا أظنها الأخيرة للأسف. فالمنصات التي وفرها الإعلام الاجتماعي أو مواقع التواصل الاجتماعي، ساهمت في اتساع حجم المشكلة، نتيجة غياب المدونات الأخلاقية لضبط أداء هذه المواقع، وبالتالي بدلا من أن تكون أداة بناء، تحولت إلى معول هدم يمضي في تكسير كل شيء جميل فينا.
القفز على كل المعايير الأخلاقية هو صورة جديدة لأمراضنا الاجتماعية، وحالة الفوضى التي خلقتها مواقع التواصل الاجتماعي. وكثيرة هي الانتهاكات التي تمت في هذا الجانب.
ما الحل؟ يطرح البعض فكرة في غاية التطرف، كلما وقعت قصة محددة لعبت فيها مواقع التواصل الاجتماعي دورا سلبياً؛ كإثارة الفتن والعنصرية والطائفية وغيرها. وهي “الحل” المتمثل في منع هذه المواقع، كما حصل في دول أخرى! لكن ليس هذا المخرج من أزمتنا الأخلاقية والقيمية التي صارت تفضحها وتعريها مواقع التواصل.
المعالجة الحقيقية تقتضي العمل في أكثر من اتجاه. الأول، قانوني تشريعي، وتطبيق البنود المتعلقة بذلك على كل متجاوز ظناً منه أنه بعيد عن الملاحقة القانونية؛ تماما كما حدث عقب قضية اغتيال الكاتب ناهض حتر. وهذه المهمة ليس منوطة بالأجهزة الأمنية فحسب، بل تقع على عاتق المجتمع ككل. فالجريمة والانتهاك اللذان يتمّان اليوم بواسطة وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، لا يجب أن يمرا من دون محاسبة. ومنطلق المتابعة يرتبط بالمجتمع، إن كان يخشى على ما تبقى من قيمه ومبادئه.
الاتجاه أو المستوى الثاني، والمتأتي من حقيقة أننا مجتمعات طارئة على التكنولوجيا، كما أننا لا نعيش ديمقراطية ناجزة مكتملة النمو، يبدو (هذا الاتجاه) في واجب خلق ثقافة الالتزام بسيادة القانون والأخلاقيات، من خلال النظام التعليمي. فبدلا من الهجوم على تغيير المجتمع، كان الأولى أن تتحسس النخب والعامة الحاجة للتغيير، بحيث يساهم التعليم في خلق الوعي والثقافة اللذين يفضيان إلى الحد من هذه الأزمة الأخلاقية، إن لم يكن معالجتها نهائياً.
اليوم، يوجد في العالم 1.8 مليار مستخدم لموقع “فيسبوك”، بينهم ملايين في الأردن. وضبط المعايير الأخلاقية والمهنية على هكذا مواقع لن يستوي من دون تشريعات ناظمة لكل الاختلالات والتشوهات، لأن تغيير المجتمعات بما يصون قيمها النبيلة، يحتاج تشريعات صارمة تحد من حالة فقدان التوازن التي ولّدتها مواقع التواصل.
جريمة قتل الابن لأمه بشعة ومدانة من دون أن نرى صور الضحية. ولا أدري ما المتعة أو الفائدة أو العظة التي سعى ناشرو الصورة إلى تحقيقها! فالأم ضحية ولد مجرم، واليوم هي ضحية نشطاء ومواقع إخبارية لا يدركون الحد الأدنى من الأخلاق المهنية ومعايير التعامل مع الإعلام.
مدونة سلوك، وتطبيق القانون في مثل هذه التجاوزات، باتا ضرورة، حتى يتحمل المخطئ نتيجة ما فعل، وحتى نصون ما تبقى لدينا من إنسانية. أما غياب المساءلة لصالح الفوضى العارمة في مواقع التواصل الاجتماعي، فلن يقودنا إلا إلى جعلنا مجتمعات متوحشة. وما نشر الصورة إلا أحد المؤشرات على ذلك.
توقفوا رجاء عن تشويهنا وبث أمراضكم؛ أقله في العالم الافتراضي، للحد من انتشار العدوى.