عروبة الإخباري- اشتعلت معركة تحرير الموصل لاستعادة المدينة من قبضة «تنظيم الدولة الإسلامية» التي يسيطر عليها منذ عامين تقريبًا. والهدف المعلن من الدفع بحوالي 100 ألف مقاتل لاستعادة المدينة هو إعادة هيبة الدولة العراقية، ووأد الفتنة بين السنة والشيعة، والبدء في بناء دولة عادية، ولكن هيهات.
يوضح الكاتب «رايان بول» في مقال له على موقع «سالون» أن المتابعة المتأنية للأوضاع تظهر أن المستقبل مظلم؛ فحتى لو جرى القضاء على الدولة الإسلامية، لن يحل السلام؛ لأن لكل مطامعه الخاصة.
والملاحظ هنا أن المنخرطين في المعركة كُثر؛ لذا لنبدأ بمطامع الدول الكبرى.
الولايات المتحدة: الراعي الحذر
يقول الكاتب «لقد ركزت الولايات المتحدة إمكاناتها الجيوسياسية على العراق خلال الربع قرن الماضي، وقد بدأ ذلك التركيز في حرب الخليج الأولى، وما يزال قائمًا حتى اليوم للتصدي لداعش. كان العراق من أقوى الدول العربية في عهد صدام حسين، وكان من المنطقي أن تهتم الولايات المتحدة به. أما بعد أن تحول إلى دولة فاشلة، بدأت أمريكا في احتوائه».
سعت أمريكا إلى بناء العراق على طريقة بناء ألمانيا بعد الحقبة النازية، وذلك بعدما قامت بغزوه عام 2003. لكن التقرير يشير إلى أنها تخلت عن تلك الخطط؛ بعد أن تبين لها صعوبة ذلك؛ فعملت على الحفاظ على وحدته، والتأكد من عدم سيطرة قوة معارضة عليه، أو أن تتحكم به روسيا أو إيران.
لكن ما لم له تنتبه أمريكا هو رغبة الانتقام الشيعية تجاه السنة؛ بسبب عقود من القمع. وقد سيطر الشيعة على كافة مفاصل الدولة، وذهبت جهود الولايات المتحدة أدراج الرياح وانهارت الثقة في الدولة.
ولتزداد الأمور تعقيدًا وتدهورًا، اشتعلت الحرب في سوريا، فانتهز بعض المتشددين السنة الفرصة وهجموا على الموصل؛ فاستولوا عليها، وتمددوا، حتى طرقوا أبواب بغداد.
يشير الكاتب إلى أن أمريكا رفضت العودة إلى العراق بعد الانسحاب منه. لذا بدلًا من الدفع بعشرات الآلاف من المجندين إلى العراق، منحت أسلحة وأموالًا ووفرت مستشارين لمساعدة حكومة بغداد، في مقابل الكف عن تغذية الطائفية من جانب حكومة بغداد.
ولم يفعل الأمريكيون أي شيء حيال التمدد الإيراني ومحاولة الاختراق الروسية، فقد اعتقدت واشنطن أن تلك المحاولات ستبوء بالفشل مثلما فشل الأمريكيون من قبل، لكن ما يجهله الأمريكيون هو أن تخليهم عن العراق هو ما أغرى تلك القوى لمحاولة السيطرة على العراق.
الإيرانيون في مواجهة السعوديين: الحرب الإسلامية الباردة
يقول الكاتب إن معركة الموصل هي حرب باردة بين السعودية وإيران. تدعم إيران الحكومة العراقية الطائفية، في حين تكتفي المملكة بدعم الأحزاب السنية، وتتحاشى القيام بالدور الذي تقوم به الولايات المتحدة. وتعتقد المملكة أن على القوات العراقية تحمل العبء الأكبر وإبعاد الميلشيات الشيعية.
أما الإيرانيون، يقول الكاتب، فهم يرغبون في أن تكون زمام المبادرة في يد الميليشيات. وتعمل إيران على إقامة نظام حكم شبيه بالنظام اللبناني القابل للتلاعب. وتسعى لإضعاف السنة، عبر تنصيب حكومة فاسدة. ويعتقد الإيرانيون أنه كلما حقق الجيش العراقي انتصارات، ضعُف نفوذ الإيرانيين؛ لأن الأمريكيين الذين أنشأوا الجيش دربوه على حماية الديمقراطية.
الأتراك في مواجهة الأكراد: الإخوة الأعداء
يقول الكاتب «كانت تركيا ذات يوم إمبراطورية عظيمة شملت العالم العربي. فكانت كل من مصر وإيران وتركيا قوى إقليمية عظمى، ولكن بعد الحرب العالمية الأولى، بدأت الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا التدخل في شئونهم».
تعتبر تركيا الأزمة السورية خطرًا داهمًا عليها، لكنها تحاول توظيفها لصالحها. تخشى تركيا من أن ينتهز الأكراد فرصة انهيار الجارين الجنوبيين ويقوموا بإنشاء الدولة التي لطالما حلموا بها.
إذا ما أقام الأكراد دولتهم، يقول التقرير، وانضوى تحت لوائها الملايين منهم الذين يعيشون داخل تركيا، فإن ذلك سيمثل صدفة جيوسياسية كبرى لتركيا، وسيضعف أنقرة بشدة. عانت تركيا بشدة للحفاظ على المنطقة الكردية ضمن حدودها، فمنذ الثمانينات وهي تنخرط في حرب دامية مع الأكراد لوأد مشروع الدولة الكردية.
أتاح انهيار الدولة العراقية الفرصة للأكراد للحصول على حكم ذاتي هناك. ومع أن حكومة الإقليم لا تتمتع بالكفاءة، إلا أنها أفضل بكثير من حكومة بغداد. وفي معركة الموصل، تعتبر «البيشمركة» إحدى القوى الرئيسة التي تشارك فيها. وإذا ما أثبت الأكراد كفاءة في تلك المعركة، سترتفع أسهمهم بشدة لدى الغرب، وهو ما تعتبره تركيا كارثة؛ لأن الغرب قد يسمح لكردستان العراق بالانفصال كمكافأة لهم.
وهنا سيبدأ تداعي أحجار «الدومينو»، يقول الكاتب: فلو انفصل أكراد العراق، سيغري ذلك إخوانهم في سوريا للسير على خطاهم. ولذلك، فإن السبب الرئيس للتدخل التركي في سوريا، هو ضمان عدم قيام حكم ذاتي تركي.
ولهذا السبب أيضًا دفعت أنقرة بقوات إلى شمال العراق، بعد سقوط الموصل في يد تنظيم الدولة. تسعى أنقرة من وراء تدخلها في العراق إلى لعب دور محوري هناك. وفي المقابل، تحاول إيران إشاعة أجواء معادية لتركيا بين الأكراد للتسبب باضطرابات لتركيا.
وأخيرًا: الروس.. الورقة الرابحة
يقول الكاتب «على الرغم من أن الروس غير منخرطين بشكل مباشر في معركة الموصل، لكنهم يسعون إلى لعب دور حيوي. تنامى إلى علم الأمريكيين أن الروس يجرون اتصالات مع بغداد في الخفاء؛ في محاولة للقيام بدور راعٍ خفي ينتهز الأخطاء الأمريكية لبناء نفوذ قوي هناك. ولهذا السبب، دفع الأمريكيون ببعض القوات إلى العراق مجددًا».
وتلك هي الاستراتيجية التي تتبعها موسكو في سوريا، وقد أثبتت نجاحًا كبيرًا. فكلما أظهرت إدارة أوباما الفشل في وضع حد للصراع السوري، ازداد نفوذ الروس هناك.
فماذا عن الأيام المقبلة؟
إن استعادة الموصل ستكشف خطوط الصدع لدى العراق مجددًا. فلن يتحول العراق إلى دولة ناجحة. بل سيتعين على بغداد التخلص من نفوذ القوى الخارجية أولًا، والحصول على أقل قدر من المساعدة من الأمريكيين. ويتساءل الكاتب في نهاية المقال: بعد أن يرفرف العلم العراقي على مباني الموصل، من سيكون الخاسر أخيرًا؟ ويجيب بأن الوقت وحده كفيل بإجابة هذا التساؤل.(ساسة بوست)