لأن المال في كثير من الأحيان يكون سبباً في تصدع العلاقة الزوجية، وقد يكون أيضاً الفأس الذي يكسرها، فقد طالب خبراء في العلاقات الزوجية بضرورة التحدث بعقلانية وببرود شديد عن القضايا المالية منذ بداية العلاقة، بحيث يعرف كل طرف ما له وما عليه في هذه القضية، التي تتحول في كثير من الحالات إلى سبب الخلاف الأول.
وقال مايكل ماري، الذي أصدر أكثر من 30 كتاباً عن العلاقات الزوجية وله برامج تلفزيونية عالمية، إنه لا يطالب الرجل والمرأة بأن يتحدثا في القضايا المالية في أول لقاء بينهما، بل حين يقرران الارتباط رسمياً. وقال إن الغالبية العظمى من الأزواج تعتبر أنه أمر غير رومانسي ولا عاطفي أن يتحدثوا عن المال، لكن ذلك تصرف ساذج ويدل على قصور النظر، وأوضح وجهة نظره قائلاً: إن أي إنسان يوقع عقد تأمين على الحياة أو ضد العجز عن العمل فإنه يفكر في أسوأ الاحتمالات منذ البداية، وكيف يتعامل معها، وما يحققه له هذا العقد من ضمانات في حال وقوع الشرور.
ومن هذا المنطلق يرى ماري ضرورة أن يتفق الرجل والمرأة على القضايا المالية، بل ويحبذ أن يحددا نصيب كل منهما في حال وقوع الطلاق بينهما، ويرى أن ذلك لا يتعارض مع الحب بينهما. وشدد على أن هناك مستويات متعددة للحديث عن المال، المستوى الأول يعتبر مثل الصفقة التجارية، أنت تشتغل وتكسب المال، وأنا أقوم بأعمال البيت والاهتمام بالأطفال، فإذا قصّر الرجل في كسب المال، وطلب من زوجته أن تساعده في توفير حاجات المنزل، فلا يحق له عندئذ أن يطالبها بأن تقوم بأعمال البيت أيضاً، بل لا بد من أن يقتسم معها هذا العمل، كما تقتسم معه كسب المال، ويشترط في هذه الصفقة أن يلتزم كل طرف بواجباته، أي أن تكون هناك صدقية والتزام.
والمستوى الثاني من التعامل مع المال، هو إنفاق المال بدافع الحب من دون انتظار مقابل، مثل أن يتحمل الزوج القسط الأكبر من تكاليف رحلة إلى الخارج، انطلاقاً من حبه لزوجته، واستمتاعه بقضاء الوقت معها، واقتسام سعادة الترفيه والاستجمام بجانبها، بشرط ألا تكون مصدراً في تكدير عطلته، وألا تطالبه بما يفوق طاقته، بل تتقبل ما يوفره لها عن طيب نفس. والمستوى الثالث هو أن يقوم الزوج مثلاً بتقديم هدية لزوجته، انطلاقاً من حبه للعطاء، وهنا لا يجوز له أن يطلب منها شيئاً في مقابل هذه الهدية.
ويوضح الخبير في العلاقات الزوجية أن الخلط بين هذه المستويات هو الذي يجعل الرجل – مثلاً – يشعر بخيبة أمل وإحباط عندما يهدي زوجته ساعة ثمينة، ثم لا يجدها تكون رهن إشارته لتلبي طلباته، اعتقاداً منه أن ذلك أمر بديهي، لأنه عندئذ يفكر فيها باعتبارها صفقة، ويخلط بين المستويات المتعددة للعلاقات المالية.
وأوضح أن غالبية النساء يسعين إلى الحفاظ على علاقة الزواج، ولذلك يصمتن على استغلال الأزواج لهن، مع أن عملهن في المنزل يفوق في غالبية الحالات عدد ساعات العمل التي يؤديها الرجل والجهد الذي يبذله. وقال إن غالبية الرجال لا يشعرون بقيمة ما تقوم به النساء من تشجيع لهم وتخفيف عنهم وإنصاتهن إلى شكواهم من صعوبات العمل، وهي مهمات تفوق قيمة المال.
وقال إن الأغنياء يعانون في العلاقات العاطفية أكثر من غيرهم، لأنهم يعتقدون دوماً أن كل من يقترب منهم إنما يطمع في أموالهم، مما يفسد عليهم الكثير من العلاقات العاطفية، ولذلك فإنهم في غالبية علاقاتهم يفكرون بطريقة الصفقات التجارية، ولا يتورعون عن مطالبة شريك حياتهم مثلاً بأن يدفع ثمن طعامه بنفسه إذا تناولا وجبة في مطعم!
وذكر أن الطرف الأكثر ثراء ليس بالضرورة الأقوى في العلاقة، مضيفاً بقوله إن الشخص الأكثر حاجة إلى الآخر هو الأضعف في العلاقة العاطفية، مشدداً على أن ذلك ليس دعوة للاستغناء على الآخر، بل لعدم السماح لطرف أن يستغل حاجة الآخر له، وهو ما تفعله معظم النساء في العصر الحاضر، بحيث يقبلن العيش على المساعدات الاجتماعية، في مستوى متواضع للغاية، بدلاً من تحمل حياة كلها رفاهية مع إنسان لا يشعرن تجاهه بالحب.
طبعاً في مجتمعاتنا الإسلامية الشرقية الوضع يختلف، ولكن يبقى المال «شيطان» الخلاف في غالب قصص الطلاق، على رغم أن الإسلام نظم آلية العلاقة المالية بين الزوجين، ولكن ظروف الحياة ومتاعبها الاقتصادية أبعدتنا كثيراً عن الضوابط الضامنة لسلامة العلاقة، فهل نعود إليها ونحذر التفريط بها لنسلم؟