زيادة معدلات البطالة هي النتيجة الطبيعية لضعف قدرة الاقتصاد على توليد فرص عمل تكفي لاستيعاب عدد الداخلين إلى سوق العمل. إذ نحتاج في الأردن إلى أكثر من 100 ألف فرصة عمل سنوياً، في وقت تخرج الجامعات وحدها نحو 70 ألف طالب وطالبة في العام.
ورغم كل تجلياتها القاسية، فإن شيئاً لم يكبح تفاقم ظاهرة البطالة لدينا، بحيث سجّلت مستويات خطيرة بلغت، بحسب الأرقام الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة الأسبوع الماضي، 15.8 % في الربع الثالث من العام الحالي، والتي تعد النسبة الأعلى منذ العام 2005، حين بلغت هذه النسبة 16.6 %.
وإضافة إلى مشاكل الاقتصاد، يؤدي إلى النتيجة ذاتها أيضا صعوبة إصلاح تشوهات سوق العمل. فالحال أن عدد فرص العمل الجديدة غير كافٍ، فيما يبدو أن توطين “أردنة” القائم منها مسألة لم يُكتب لها النجاح بعد، لعوامل مختلفة؛ سياسية و/ أو تنظيمية.
هكذا، فإن الظروف الطارئة غير المتوقعة أبداً، كما هي أحوال الإقليم منذ أكثر من خمس سنوات، والتي أفضت إلى فرض حصار غير معلن علينا، هي بلا شك عوامل تلعب دورا كبيرا في إبطاء النمو الاقتصادي. كما أن الحروب الدائرة حولنا قلّصت، بالتأكيد، من فرص الأردن في استقطاب استثمارات. وقد عمّق ذلك ضعف السياسات الرسمية إزاء ضرورة وضع حلول استثنائية تقوم على أفكار جديدة، لتجاوز الوضع القائم.
بالعودة إلى نسبة البطالة الأحدث الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة، والتي تُعد النسبة الأعلى خلال الأعوام الـ11 الماضية، تبدو المشكلة الأولى في أن 55.8 % من إجمالي المتعطلين هم من حملة الشهادة الثانوية فأعلى، فيما 44.2 % من إجمالي المتعطلين من ذوي المؤهلات التعليمية الأقل من الثانوي. إذ إن حقيقة ارتفاع البطالة بين الفئة الأولى؛ متقدمة التعليم، تنسف القناعة الشعبية السائدة بأن الشهادة الجامعية هي منفذ الهروب من مصير البطالة.
أما المرأة، فمعاناتها مزدوجة! إذ بحسب الأرقام ذاتها، تباينت نسبة المتعطلين بحسب المستوى التعليمي والجنس. إذ بلغت نسبة المتعطلين الذكور من حملة البكالوريوس فأعلى 26.5 %، مقابل 79.4 % من الإناث، ما يعني أن 8 من كل 10 نساء، تقريباً، أنهين تعليمهن الجامعي، هن حبيسات مقاعد البطالة.
وعلى قسوة الواقع الحالي، فإن الأقسى لم يأتِ بعد! لأن ثمة عاملا طارئا جديدا يُرجّح أن يزيد معدلات البطالة مستقبلا، ويجعل الحالة الاقتصادية أكثر تعقيدا؛ وهو العامل المرتبط بأوضاع الأردنيين العاملين في دول عربية شقيقة، لاسيما الخليجية منها، وتحديداً السعودية. إذ تتواتر الأنباء عن سياسة تشغيل جديدة تركز على “سعودة” قوية للوظائف، ستؤدي حتماً إلى عودة عدد كبير من المقيمين الأردنيين هناك خلال السنوات المقبلة. وبما يضيف، طبعاً، عاملا ضاغطا جديدا على الاقتصاد، ومعدلات البطالة.
خصوصية العمالة الأردنية في السعودية أنها تعد أكبر تجمع للأردنيين في الخليج، وتمثل شريحة متعلمة من المهنيين المميزين، وهم بالتالي من ذوي المداخيل المرتفعة نسبيا. وعدا عن حاجتهم لفرص عمل في وطنهم، فإن عودتهم ستؤثر سلباً على حجم الحوالات الأجنبية من الخارج، والتي تشكل مصدراً مهماً للاحتياطي الأجنبي.
اليوم، نحتاج خطة متشعبة شاملة، تتعامل مع التطور الجديد في سوق العمل والاقتصاد، في سبيل التقليل من تبعاته السلبية التي ستزيد معاناة كثير من الأسر. إذ يقدر عدد الأردنيين العاملين في السعودية وحدها بقرابة 110 آلاف شخص، يعيلون ما مجموعه نحو 450 ألف نسمة من عائلاتهم، ومثلهم تقريبا أقارب لهم يقطنون الأردن.
وبدهي أن ما يجري في السعودية تشهده أيضا مختلف الدول الخليجية الأخرى التي لها معاناتها مع البطالة، والتي يعمل فيها مجتمعة نحو 650 ألف أردني. فهل وضعنا الخطة لمواجهة هذا التحدي الكبير؟