عروبة الإخباري – في إطار اللقاءات الحوارية حول الأوراق النقاشية الملكية لجلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين، والتي بادر بها منتدى الفكر العربي منذ أكثر من عامين بتوجيهات رئيسه سمو الأمير الحسن بن طلال، عقد المنتدى مساء الثلاثاء 25/10/2016، وبحضور حشد كبير من السياسيين والمفكرين والأكاديميين والإعلاميين وممثلي مؤسسات المجتمع المدني، الجلسة الحوارية الثامنة عشرة التي تناولت مضامين ومحاور الورقة النقاشية السادسة تحت عنوان “سيادة القانون أساس الدولة المدنية”. وشارك في تقديم المداخلات كل من: الأستاذ طاهر المصري رئيس الوزراء الأسبق ورئيس مجلس الأعيان الأسبق، و د. هايل الداوود وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية السابق، و د. نعمان الخطيب عضو المحكمة الدستورية وأستاذ القانون الدستوري في الجامعات الأردنية، و د. موسى شتيوي مدير عام مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية. وأدار اللقاء وشارك فيه د. محمد أبوحمور الأمين العام لمنتدى الفكر العربي.
د. محمد أبوحمور
في كلمته التقديمية للجلسة قال د. محمد أبوحمّور الأمين العام لمنتدى الفكر العربي: إن صاحب الجلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم أراد من كتابة الأوراق النقاشية أن يكون لرأس الدولة مشاركة مباشرة في النقاش الوطني حول طبيعة النظام السياسي الذي يجب تطويره لمستقبل الأردن. وهذه المشاركة والمبادرة الملكية بحد ذاتها مبادرة غير مسبوقة على مستوى العالم وتحظى بتقدير الجميع، نظراً لما تؤشر عليه من مرونة القيادة الأردنية وقدرتها على التحاور مع شعبها بانفتاح، وإعطاء نموذج ديمقراطي واقعي في تلمّس الحاجات الوطنية للبناء السليم في الحاضر والمستقبل.
وأضاف د. أبوحمّور أن الرؤية الملكية السامية التي تنطلق من المسؤولية الجماعية لتعميق المسيرة الديمقراطية، وضمان أسباب النجاح لها، تؤكد أن استشراف المستقبل هي عملية تخطيط استراتيجي واعٍ لمختلف الجوانب والعوامل المؤثرة في هذه المسيرة، وأن الأدوار ينبغي أن تتناغم وتتكامل، لضمان حصانة الأردن ووحدته الوطنية أمام التحديات التي واجهت هذا البلد منذ تأسيس الدولة الأردنية الحديثة وحتى يومنا هذا، الذي نشهدُ فيه، ومن جديد، أخطار التقسيم والشرذمة والتفتت في بلدان متعددة من الوطن العربي، كما يتحدث فيه البعض عن خريطة تقسيم جديدة للمنطقة، تحددها وتحكمها مصالح خارجية وأجندات إقليمية.
وأوضح د. أبوحمّور أهمية وجود رؤية مستشرفة للمستقبل الديمقراطي كما تتبلور من خلال الأوراق النقاشية الملكية، من أجل التعامل مع التحديات والتغيرات المتسارعة وتجنب تداعيات عنصر المفاجأة فيها. وقال: إن الأفكار الواردة في هذه الأوراق النقاشية تؤكد على مقوّمات الهوية الوطنية الأردنية، وبناء منظومة قيمية لمفهوم المواطنة وسيادة القانون، بما يكفل الحقوق ويحدد الواجبات والمسؤوليات في إطار الدولة المدنية الجامعة لمختلف المكوّنات الاجتماعية، واعتبار التنوع هو مصدر الازدهار الثقافي والاجتماعي والتعدد السياسي، كما أنه رافد للاقتصاد، وأن ضمان حقوق الأقلية متطلب لضمان حقوق الأغلبية، وسيادة القانون هي ضمان للحقوق وتعزيز العدالة الاجتماعية. وأن المطلوب الآن الحوار والنقاش من أجل الاتفاق على المفاهيم ووضع جدول زمني لتحقيق الأهداف.
وأشار د. أبوحمّور إلى إسهام الفكر والدراسات في بلورة تطبيقات الديمقراطية المتجددة في الأردن، موضحاً أن منتدى الفكر العربي وبتوجيهات كريمة من رئيسه وراعيه، صاحب السموّ الملكي الأمير الحسن بن طلال، قد بادر مسبقاً إلى عقد (17) جلسة حوارية حول الأوراق النقاشية الخمس الأولى ما بين عامي 2013 و 2015 بمشاركة ممثلين عن مختلف قطاعات المجتمع المدني الأردني والأطياف السياسية والفكرية، وأصدر حصيلة هذه الحوارات في كتاب العام الماضي، ليكون وثيقة مرجعية تعين على استثمار مخرجات الحوارات في تحقيق الأهداف التي نأملها جميعاً.
محاور الورقة النقاشية السادسة
وقدَّم د. أبوحمور في هذا السياق عرضاً للأفكار التي اشتملت عليها الورقة النقاشية السادسة، والتي تركزت في المحور الأول على فكرة سيادة القانون بوصفها أساساً للإدارة الحصيفة، من حيث تطوير الإدارة وتحديث الإجراءات وإفساح المجال للقيادات الإدارية الكفؤة وإحداث التغيير الضروري، وتعزيز النزاهة، وتطبيق القانون على المسؤول قبل المواطن والاستناد إلى تشريعات واضحة وشفافة، والإدارة الحصيفة، ومحاربة الواسطة والمحسوبية، وتعزيز سيادة القانون بوصفها عماداً للدولة المدنية، والنظرة الشمولية للشباب، واعتماد الكفاءة والجدارة أساساً وحيداً للتعيينات، فضلاً عن تطوير القضاء والأجهزة المساندة له، وتوفير الكوادر الخبيرة والمتخصصة، وتطوير السياسات والتشريعات لتسريع عملية التقاضي، وتفعيل مدوّنة السلوك القضائي، وتحديث معايير تعيين القضاة ونقلهم وترفيعهم، وتمكين أجهزة الرقابة والتفتيش القضائي.
أما المحور الثاني في الورقة وموضوعه “سيادة القانون عماد الدولة المدنية”، فقد أكد فيه جلالة الملك أن الدولة المدنية تحتكم إلى الدستور والقوانين، وهي دولة المؤسسات، التي ترتكز إلى السلام والتسامح والعيش المشترك، واحترام وضمان التعددية واحترام الرأي الآخر، كما أن هذه الدولة تحمي الحقوق وتضمن الحريات، وهي ليست مرادفاً للعلمانية، إذ إن الدين في الدولة المدنية عامل أساسي في بناء منظومة الأخلاق والقيم المجتمعية.
الأستاذ طاهر المصري
وقال الأستاذ طاهر المصري، رئيس الوزراء الأسبق، أن الورقة النقاشية الملكية السادسة تصبّ في صميم مفهوم بناء الدولة، لما تحتويه من أفكار تنويرية إصلاحية تعدّ مطلباً شعبياً، وتحظى بالدعم والقبول الجمعيّ.
وأضاف أن منتدى الفكر العربي يعتبر المنبّر الفكري والثقافي الوحيد الذي أعطى الأوراق النقاشية الملكية الخمس السابقة، أسوة بما يحدث الآن مع الورقة النقاشية السادسة، مداها الوازن من الحوار والنقاش الجادّين، ومع ذلك بقيت ضمن أجواء بعيدة عن التعامل معها بالجدية المطلوبة وبشكل يغطي المحتوى بالطريقة المناسبة.
وقال أيضاً إذا كان صاحب تلك الأفكار ومنشيء الورقة هو جلالة الملك عبدالله الثاني رأس الدولة، وإذا كانت الناس متوافقة على تلك المبادئ، فلماذا لا تصبح سياسة ونهج عمل للحكومات؟ مستطرداً بتساؤل “عما إذا كان الترهل الإداري أو عدم قناعة الالتزام بما ورد فيها سبباً في تركها بدون تنفيذ”؟.
واعتبر أن الورقة جاءت في وقتها المناسب، في ظل المشهد الإقليمي العربي المضطرّب والصعب، بما يجعل من موضوع حماية الاستقرار مسألة حيوية ومهمة.
ودعا إلى التنفيذ الواقعي والحقيقي لمضمون الورقة، سبيلاً للتأكيد على الممارسة الفعلية لسيادة القانون ومحاربة الفساد والواسطة والمحسوبية، وعلى المصداقية في استمرارية الخط الإصلاحيّ، وحتى ترى الناس، المطالبة بالتنفيذ، أن ثمة جدّية فعلية في ذلك.
ونوه إلى أهمية امتلاك الفريق الحكومي المنفذ القدرة على تنفيذ هذه الأمور، مفيداً بأن الأفكار الواردة في الورقة، كما في الأوراق النقاشية السابقة، تعتبر حزمة واحدة، بما يستوجب تنفيذها ككل وعدم أخذ جزء منها وترك الآخر، حيث إن موضوع الانتخابات والمؤسسات الدستورية والدستور يجب أن تكون متماسكة.
وبيّن أن هناك سوء فهم حول مفهوم الدولة المدنية؛ وسواء أكانت دولة مدنية أم دولة القانون أم دولة المواطنة، فإن تلك المبادىء التي احتوتها الورقة يجب تنفيذها وممارستها فعلياً دونما تأخير ومماطلة، وبلا تأويل.
وقال: إن الورقة تضمّ مفاهيم قوية ومؤسسية وملزمة لتكون أسس بناء الدولة، بما يتطلب تنفيذ تلك الأفكار فعلياً.
د. هايل داوود
من جانبه، قال د. هايل داوود، وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية السابق: إن الورقة النقاشية الملكية السادسة تناولت ثلاث قضايا مهمة ومترابطة تتمثل في المواطنة، وسيادة القانون، والدولة المدنية.
وأضاف أن هناك ريادة من قبل جلالة الملك لطرح هذه القضايا التي لامست اهتمام المواطن الأردني، مثلما اتسمت الورقة بالشجاعة الكبيرة لنقد الخلل الموجود، وتبيان حجمه.
ولفت إلى أن جلالته قد أشّر على تلك القضايا، وعلى الجهات المكلفة بمهام التطبيق، داعياً إلى تحويل ما ورد في الأوراق النقاشية إلى برنامج عمل حتى يتم الاستفادة منها، وإلى التقاط الرسالة وسدّ الثغرات، وتجسيد الرؤى عبّر آليات عمل جادة.
وأوضح بأن الورقة أكدت بأن هناك إنجازات تحققت، وأن هناك عملاً على الأرض، ولكنها أشارت إلى أن العمل لا يرتقي للمستوى المطلوب.
وأكد أهمية الانتقال إلى خطوة التنفيذ الذي يتطلب تضافر جهود الجهات المعنية، مبيناً أن الحكومات تعتبر المخاطب الأول في مهمة التنفيذ كسلطة تنفيذية، لتطبيق القانون، وإتاحة الفرصة أمام تحقيق المساواة ضمن أسس شفافة وعادلة، إلى جانب الجهات الرقابية، مثل هيئة مكافحة الفساد، والتي يقع على عاتقها جميعاً مسؤولية التحرك والعمل لكشف مواطن الخلل ومكامن اختراق القانون.
ولفت إلى الدور المهم للسلطة القضائية، وللمنابر الإعلامية، باعتبارها جهات مهمة، كل حسب دوره، لفرض هيبة القانون وإعلاء سيادته، مؤكداً أن احترام القانون يشكل ديدن توفير الحياة الهانئة واستتباب الأمن والاستقرار.
وتوقف عند اللغط الدائر حول مصطلح الدولة المدنية، والمختلف بشأنه من حيث مفهومه والموقف منه. وقال إن فريقاً من المفكرين المسلمين، المحتكمين للمرجعية الإسلامية، يقبلون بمصطلح الدولة المدنية بوصفه تعبيراً صحيحاً عن الدولة، استناداً إلى الدولة الإسلامية التي أنشأها الرسول (صلى الله عليه وسلم) في المدينة المنورة، وهي دولة المدينة.
وتابع قائلاً: إن عماد الدولة المدنية تتمثل في المواطنة، حيث أكدت أن ساكني الدولة على مختلف أجناسهم ومعتقداتهم هم مواطنون، وأن المواطنة في الدولة المسلمة لا تقوم على أساس الدين، بينما كانت وثيقة (أو صحيفة) المدينة أول دستور مدني أكد على المواطنة حينما اعتبر أن جلّ سكان المدينة أمة واحدة.
في المقابل؛ هناك، بحسب د. داوود، من يرى مصطلح الدولة المدنية رديف للعلمانية، وأنهما مصطلح واحد، في مقابل الدين.
وأوضح بأن “الدولة الإسلامية ليست دولة دينية بالمفهوم الضيق، أي “الحاكمية” لله تعالى، فلا أحد يحكم باسم الله تعالى، وإنما يتم العمل في إطار من الاجتهاد المصيب حيناً والخاطيء طوراً أخر، وليس من منطلق الجزم بأنها من إرادة حكم الله تعالى”.
وقال إن “الدولة المدنية تقوم على سيادة القانون وتحقق الأمن والأمان المجتمعيّ، وهي مباديء وأسس بناء هذه الدولة المدنية”.
أ.د. نعمان الخطيب
وقال أ.د. نعمان الخطيب، عضو المحكمة الدستورية وأستاذ القانون الدستوري في الجامعات الأردنية، في مداخلته: إن الورقة النقاشية الملكية السادسة تعتبر وثيقة مهمة من الوثائق السياسية للدولة الأردنية تحمل في مكوناتها إرثاً عظيماً من الماضي وتقييماً دقيقاً للحاضر، وخريطة طريق لمستقبل أفضل؛ مُضيفاً أن عبارة “الدولة المدنية” قد لا نجدها في الدساتير، لكنها مفهوم يقوم على أساس سيادة القانون وبيان معنى المواطنة السليم الذي يبين ما للجميع من حقوق وما عليهم من واجبات.
وأوضح أنه تعاقبت على الدولة الأردنية منذ نشاتها ثلاثة دساتير هي القانون الأساسي لشرق الأردن 1928، ودستور المملكة الأردنية الهاشمية 1946، ثم الدستور الحالي 1952 مع جميع تعديلاته، والتي أَفرد كلٌ منها فصلاً خاصاً بحقوق الأردنيين وواجباتهم؛ مشيراً إلى أن دستور المملكة الأردنية الهاشمية 1952 مع تعديلاته، أسَّس للدولة المدنية المتقدمة وكفل مبدأ سيادة القانون، وهو يمثل الإطار الأسمى للقواعد القانونية التي تترجم من خلالها دعوات جلالة الملك في الورقة النقاشية السادسة.
كما أوضح د. الخطيب أن القانون بمعناه الواسع لا يعني القواعد القانونية التي تضعها السلطة التشريعية ممثَّلةً بمجلس الأمة وجلالة الملك فقط، لكنه يعني جميع القواعد القانونية المجردة والملزمة وعلى رأسها الدستور. وأن المعاهدات والاتفاقيات الدولية أصبحت جزءاً من منظومتنا القانونية التي يجب احترامها والالتزام بها، وبالتالي فهي معيار عالمي للدولة المدنية يجب الاهتمام به.
وأشار إلى أن المادة الأولى من الدستور الاردني الحالي تبيّن أن المملكة الاردنية الهاشمية دولة عربية مستقلة وذات سيادة مُلكها لا يتجزأ ولا يتنازل عن شيء منه، والشعب الاردني جزء من الأمة العربية ونظام الحكم فيها نيابي ملكي وراثي. وأن السلطة التشريعية مُناط بها وضع القانون، والسلطة التنفيذية تقوم بتنفيذه، وأن على السلطة القضائية بمحاكمها المتنوعة ودرجاتها المتعددة ضمان إنفاذه، اما المحكمة الدستورية فمهمتها الأساسية ضمان عدم مخالفة التشريع للدستور، بما تمثله من هيئة قضائية مستقلة وظيفتها الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة وتفسير نصوص الدستور.
واعتبر د. الخطيب أن ورقة جلالة الملك النقاشية السادسة هي وثيقة عليا ومرجعية أساسية لعمل المحكمة الدستورية والسلطات الثلاث، كما أن هذه الورقة وإن كانت مكملة للأوراق النقاشية الخمس التي سبقتها، إلا أنها ركزت على سيادة القانون وما يترتب على ذلك من عدالة ومساواة بين المواطنين، مما يعزز مقومات النظام بمؤسساته وأفراده ويزيد من استقراره، وينقلنا الى مستقبل افضل.
واختتم مداخلته بتأكيد أن المواطن مثلما له حقوق فعليه واجبات يجب أن يؤديها، وهو مسؤول عن احترام القانون مثلما هي السلطة مسؤولة عن تطبيقه. وشدد على أن مرحلتنا الحالية تتطلب خلق مواطن صالح ومسؤول ومنتمي لوطنه وقيادته، مثلما هو منتمي لأسرته، ولعل الاحترام المطلق للقانون هو العنوان الرئيسي للولاء والتفاني للدولة. وقال: نحن بحاجة إلى جرعات قوية في مفهوم المواطنة والإحساس بالمسؤولية، لأن التحديات التي تواجهنا لا تتمثل في قصور التشريعات فحسب، بل في ضعف الإحساس بالمسؤولية.
د. موسى شتيوي
من جهته، قال د. موسى شتيوي مدير عام مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية: إن الورقة النقاشية الملكية السادسة يجب أن تُقرأ في سياق الأوراق النقاشية الخمس السابقة، التي عالجت قضايا مهمة في عملية الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي في الأردن، وبالتالي فإن هذه الورقة تأتي استكمالاً للأفكار والرؤية الملكية لطبيعة الدولة الأردنية في المستقبل وهويتها.
وأضاف د. شتيوي أن توقيت الورقة النقاشية السادسة لا يقل أهمية عن مضمونها من حيث أنها جاءت على خلفية نقاش حول هوية الدولة الأردنية، وخاصة فيما يتعلق بعلاقة الدين بالدولة أو السياسة، وفي ظل انقسام حاد وخطير بين التيارات الفكرية، وما جرى من تطورات وأحداث تهدد السلم المجتمعي وخطاب الكراهية غير المقبول لبعض الفضائيات في تهديد أسس اجتماعية وسياسية. واعتبر أن الورقة النقاشية السادسة جاءت لتأطير النقاش السياسي والمجتمعي حول هذه القضايا والتذكير بالأسس والمبادىء وهوية الدولة الأردنية منذ نشأتها وحتى الآن.
وتطرق د. شتيوي إلى عدد من المظاهر السلبية المتمثلة في تنامي نزعة عدم احترام القانون، وضعف إنفاذه، وتدني الثقة بالمؤسسات، وتنامي الشعور بعدم العدالة، وتراجع الإحساس والشعور بالهوية الوطنية مقابل تنامي الهويات الفرعية والهوية الدينية، وتصاعد الفكر المتطرف، وعلاقة ذلك بتراجع سيادة القانون وهيبة الدولة. وأوضح أن الأزمة في الإدارة العامة تؤدي إلى تراجع سيادة القانون، خاصة مع ضعف القدرة على التخطيط الاستراتيجي المبني على المعلومات الدقيقة، ومركزية الإدارة أو البيروقراطية، وعدم قدرة هذه الإدارة على الاستجابة للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية المتصاعدة كالفقر والبطالة والعنف المجتمعي وإطلاق العيارات النارية والمخدرات، مما يؤدي إلى تراكم هذه المشكلات ومفاعيلها أيضاً، فضلاً عن الآثار السلبية لغياب التنسيق بين الإدارات المعنية، والتراجع في مؤشرات الحوكمة من حكم القانون، والسيطرة على الفساد، والفاعلية الحكومة، والمشاركة والمساءلة.
وأوضح فيما يتعلق بتجربة الدولة الأردنية أن النموذج الأردني المبني على الأسس والمبادىء التي قامت عليها النهضة العربية، كانت منذ البداية نموذجاً لدولة عربية حديثة؛ إذ إنها قامت على المشروعية الدينية والقومية معاً، إضافة إلى مشروعية الإنجاز لاحقاً، ومن ثم كان الموروث الإسلامي الحضاري مرجعية قيمية وأخلاقية للدولة، وكان حاضراً في دستورها، لكنها كانت أيضاً قائمة على أسس الدولة الحديثة من خلال تبني الديمقراطية والمشاركة السياسية واحترام التنوع بأشكاله المختلفة من خلال دستور ينظم هذه العلاقة، فالدولة كانت مدنية منذ بدايتها. كما تبنى الأردنيون النهضة العربية والدفاع عنها وأدى ذلك إلى توحد الهوية الأردنية والهاشمية في هوية واحدة، مما ميّز الدولة الأردنية بمشروعية مكنتها من تجاوز كل التحديات.
وبيّن د. شتيوي أن جلالة الملك وضع في الورقة النقاشية السادسة النقاط على الحروف باعتبار الدولة المدنية هي ديمقراطية تستند إلى الدستور الأردني الذي يقوم على المساواة في الحقوق والواجبات لكل المواطنين، بصرف النظر عن الدين أو العرق أو الإثنية، وبالتالي فهي تحترم التعددية والتنوع، وتضع الدين في مرتبة منزهة عن السياسة ودهاليزها لتكون المرجعية الحضارية والأخلاقية للدولة والمجتمع.
ودعا د. شتيوي إلى مشروع متكامل يحقق الرؤية الملكية لدولة المستقبل الأردنية من خلال وضع خريطة طريق لتنفيذ كل ما ورد في الأوراق النقاشية الستة، وبمشاركة الفئات كافة، مؤكداً أن الأفكار والرؤى التي طرحها جلالة الملك في الأوراق النقاشية تعتبر النسخة الثانية من النهضة العربية الكفيلة بنقل الأردن إلى مصاف الدول المتقدمة.