بددت تطورات الأيام الأخيرة في العراق، الاعتقاد بنصر سريع وكاسح على تنظيم “داعش” الإرهابي في العراق.
فيما يخص الموصل، التقدم السريع الذي تحقق كان في محيط المدينة، ولم يبلغ مركزها بعد. وعند تلك المرحلة، ستدخل المعركة مع الإرهابيين طورا جديدا ومعقدا، يصعب معه التنبؤ بالفترة الزمنية المطلوبة لتحرير المدينة.
وإذا ما أخذنا في الاعتبار السباق الداخلي “العراقي” والإقليمي على الموصل، ومستقبل المدينة الغامض في ضوء التجاذبات العراقية الكردية التركية، فليس مستبعدا أن يعيق التزاحم خطط الميدان، ويؤجل الحسم العسكري.
لكن الأخطر من ذلك كله، هو ما ظهر من قدرات غير متوقعة عند تنظيم “داعش” على فتح جبهات جديدة، رغم القصف المكثف على الموصل، وإغلاق مداخلها، وحصار معقل التنظيم في الرقة السورية.
بعد أيام قليلة من بدء معركة تحرير الموصل، بمشاركة دولية وإقليمية واسعة، كان “داعش” قادرا على مهاجمة مدينة كركوك، وتنفيذ عمليات انتحارية بالجملة، وشل قدرة قوات الأمن الداخلي على التحرك، مما استدعى طلب النجدة من قوات التحالف الدولي. وفي الوقت ذاته، شن هجوم مباغت على مدينة الرطبة المحاذية للحدود العراقية مع الأردن، واحتلالها من جديد، بعد أشهر قليلة على تحريرها من قبضة التنظيم الذي حكمها لنحو سنتين.
أظهرت هذه التطورات أن “داعش” قد خسر السيطرة في عديد المناطق العراقية، لكنه لم يفقد نفوذه فيها، ولا قدرته على إعادة ترتيب صفوفه، لا بل واستعادة السيطرة على بعض المدن.
كما تأكد ما كان مؤكدا من قبل، بأن الجيش العراقي وقوات الأمن، ومعهما المليشيات المسلحة، أقل قدرة واحترافا من الاحتفاظ بالمناطق المحررة، وإدامة حالة الاستقرار فيها.
ووفق قراءة المراقبين عن كثب، فإن التنظيم الإرهابي ما يزال يملك حواضن وخلايا مسلحة داخل المناطق المحررة في غرب العراق تحديدا، يعتمد عليها كلما استدعت الحاجة. وحسب تقارير غربية، عمد “داعش” في وقت مبكر إلى دعم هذه الخلايا بالسلاح، للتحرك بالتزامن مع بدء الهجوم على الموصل، لتخفيف الضغط على مقاتليه داخل المدينة وتشتيت قدرات القوى المنخرطة في المعركة.
وليس مستبعدا أن يوسع الدواعش من دائرة عملياتهم في مناطق عراقية وسورية، لا بل وفي الخارج أيضا، ليفقد التحالف الدولي التركيز، ويفرض عليه القتال على جبهات متعددة.
في خضم المواجهة العسكرية هذه، تتبدى للجميع حقيقة الوضع المعقد في العراق وسورية، والذي تجاوز في صعوبته إمكانية الحسم في وقت قريب.
منذ أيام فقط، فطن القادة العسكريون في التحالف الدولي إلى الحاجة الملحة لمهاجمة التنظيم في الرقة، باعتباره أمرا لا بد منه للفوز في معركة الموصل، والقضاء كليا على دولته المزعومة والممتدة على خريطة البلدين.
لكن على فرض تحقيق النصر في الموصل والرقة، فإن ما بدا من تطورات أخيرة، يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الحرب مع “داعش” لن تبلغ نهايتها بتحرير المدينتين.
تغلغل التنظيم في أحشاء المجتمع العراقي، وغياب أي أفق لمصالحة وطنية، تدمج العراقيين بمشروع سياسي يحفظ وحدة البلاد ومكوناتها، والأمر ذاته مسحوب على سورية، يجعلان من الصعب تخيل فناء “داعش” في الفترة المقبلة، حتى لو تمكن التحالف الدولي من قتل قادته، والإجهاز على مراكز القيادة والسيطرة، وقطع شرايين الإمداد والمساعدة من الخارج. فالأزمة الطائفية المشتعلة في المنطقة وفي قلب المجتمعات المنكوبة، قادرة على إمداد التنظيم بأفواج جديدة من المقاتلين، والدعم المادي.
لا شك أن لهزيمة “داعش” في الموصل والرقة، منافع كبيرة، لكنها تظل نصرا معنويا، في غياب الحلول السياسية.