يبدو صعبا، إن لم يكن مستحيلا، فهم العمل السياسي الأردني؛ سواء في الفضاء الرسمي أو المجتمعي والثقافي أو الحزبي أو التيارات السياسية والفكرية. إذ لا يقدم تيار سياسي نفسه كما يتسمى، بل تبدو الأفكار والأهداف النظرية أحيانا غير مستمدة من وعي ذاتي للفكرة والعمل، وتبدو المواقف والممارسات العامة والمعلنة للتيارات غير مفهومة وغير متوقعة. السلطة السياسية والتيارات والجماعات السياسية والفكرية منشغلة عن شغلها وأفكارها المفترضة، بما ليس شغلها أو منسجما مع فلسفتها المنشئة، بل وبما ليس شغلا!
فالحكومة تؤمم الدين والثقافة، وتخصخص التعليم والصحة. وجماعات “الإسلام السياسي” تنشئ فهما للدين والسياسة ليس دينا ولا سياسة؛ فتلحق ضررا بهما، بدلا من أن تمنح الأفراد والمجتمعات والسياسة بعدا روحيا يزيد دورها الاجتماعي والإصلاحي، وتخوض معارك وبرامج ومواقف وهمية أو يمكن تلافيها. ثم صارت مثل أهل “حجر الفلاسفة” الذين حولوا العلم إلى سحر وشعوذة، يقدمون الحجب والتعاويذ لكل مسألة أو مشكلة ولكل من يطلبها. وتحولت في دورها ومواقفها واتجاهاتها مثل العمالة السائبة التي تبحث عن أي عمل، وتؤشر لكل سيارة عابرة بدوار الواحة!
وكثير من الليبراليين المفترض أن تشغلهم العقلانية الاجتماعية والأخلاقية المنشئة لمنظومة سياسية ثقافية تنظم العلاقة بين الفرد والدولة والمجتمع على أساس من حرية الإنسان وقدرته على إدراك الحق والخير والجمال، على نحو يؤدي بطبيعة الحال الى العدالة والمبادرات الفردية، لا يشغلهم (هؤلاء الليبراليون) من ذلك شيء؛ عندما يكونون في السلطة يحولون المؤسسات إلى شركات إقطاعية، وخارج السياسة لا يرون شغلا لهم سوى مخاصمة الإسلاميين، ولو أدى ذلك الى تحالفات سياسية واجتماعية مضادة تماما لأفكارهم ومبادئهم.
واليساريون المفترض أن تشغلهم العدالة الاجتماعية وسياسات اقتصادية تحمي المجتمعات والطبقات ودولة راعية للعدالة والتقدم، يشغلهم عموماً الاحتجاج بشأن قضايا لا تقدم ولا تؤخر، ويمضون في تحالفات واتجاهات لا معنى لها في الفكر اليساري المفترض؛ نضالهم مستمد من ولاية الفقيه ولا يعرفون شيئا عن ماركس.
والمحافظون المفترض أن تشغلهم حماية المؤسسات العامة والاجتماعية وسيادتها ودورها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، هم أكثر من اشتغل بتفكيك المؤسسات وإضعافها وبيعها ثم شرائها.
والفئات والطبقات الاجتماعية من أهل الآداب والفنون والبحث والتعليم والنشر والأعمال والمهن والمدن والشركات والأسواق والمصالح المفترض أن تستمد دورها ووجودها من ازدهار المدن وأعمالها وتحسين الحياة وتعظيم الموارد، تبدو مشغولة باحتفالات غيبية ومواقف عدمية، والتداوي ببول الإبل، وإنتاج وتسويق سلع وخدمات مغشوشة ومجهولة، وهي تعمل بلا تقاليد أو ثقة كأنها تنافس بائعي الإشارات الضوئية، والاحتجاج والدعاء فيما لا يضر ولا ينفع.
والأحزاب السياسية.. هاه! الأحزاب السياسية؟ نعم، نعم، توجد أحزاب سياسية كثيرة في البلد، إذ يشتهر الأردن بكثرة الأحزاب السياسية والمواقع الأثرية الخربة والمدمرة!