جاء تصويت المجلس التنفيذي لمنظمة اليونسكو على مشروع القرار الفلسطيني الأردني الخاص بالأماكن المقدسة في مدينة القدس، وبخاصة الإسلامية منها وتحديدا المسجد الأقصى وحائط البراق، لينفي أي علاقة لأصحاب الديانة اليهودية بهذه الأماكن، انتصارا للشعب الفلسطيني في تثبيت حقه في المسجد الأقصى المبارك وحائط البراق بقرار أممي.
أقول انتصارا – تشكر عليه الدبلوماسية الفلسطينية والأردنية بشكل خاص في صورة تذكرنا بمعركة الكرامة الخالدة حين التحم الدم الأردني بالدم الفلسطيني ليسطروا انتصارا رائعا كما هو الانتصار الذي سطر بأروقة اليونيسكو ، رغم أن حق الشعب الفلسطيني في فلسطين التاريخية هي حقيقة ليست بحاجة إلى قرارات من أي جهة كانت، إلى أنه وفي ظل حالة التراجع في الواقع الفلسطيني، وتوغل الاحتلال في قمعه وفي نفيه للحق والوجود الفلسطيني،ي ؤكد أن هذا القرار في غاية الأهمية ويجب البناء عليه، وفتح جبهات أخرى في المحافل الدولية إلى جانب ما يجب أن يكون على الأرض.
إن صدور هذا القرار بهذه الفترة الحساسة من تاريخ الشعب الفلسطيني له معان ودلالات كثيرة أبرزها على الإطلاق إفشال المشروع الصهيوني الذي بدأ منذ عام 1897 وتبعه وعد بلفورالمشؤوم بمحاولة إضفاء شرعية لدولة الإحتلال وإكسابها أرضا دون وجه حق .ليعلن شعبنا نضاله منذ ذلك التاريخ وليذكر العالم دائما وأبدا أننا أصحاب حق . صامدون ، ومستعدون لكافة أشكال التضحية دفاعا عن أرضنا ووطنا . وليتوج هذا النضال بقرار أممي يؤكد أن القدس بمقدساتها وشوارعها وأزقتها وأسوقها وبلدتها القديمة هي عاصمة عربية فلسطنية محتلة مؤقتا .
وبقيت هذه الصفحات المشرقة من تاريخ شعبنا البطل تتوالى في مواجهة كل أشكال البطش والقمع والترهيب ومحاولات التزوير والتهويد إلى ما قبل عشر سنوات من اليوم حين تشوهت هذه الصفحات المشرقة بصفحة سوداء شكلة صفعة قوية لكل مكتسبات شعبنا الفلسطيني وتضحياته. صفعة قوية لكل شهيد وأسير وجريح ولكل أم بكت ابنها الذي روى الأرض بدمائه فلم يحصد ما يستحق من الزرع .
اعتقد بأن الحديث عن ضرورة وحتمية إنهاء الانقسام الفلسطيني يجب أن يستمر حتى نطوي هذه الصفحة السوداء من تاريخ شعبنا والتي طالت وقاربت على إنهاء عقدها الأول، وما نتج عنها من حالة ضعف وتراجع على كافة الأصعدة في الساحة الفلسطينية، وما تبعه من تأثير هذا الانقسام على القضية الفلسطينية في المحافل الدولية والتي تفترض فينا نحن الفلسطينيون أن نستثمر هذه الساحات كركائز أساسية لدعم نضالنا الوطني ، ولكن للأسف نعجز عن ذلك ونحن منقسمون على أنفسنا رغم النجاحات هنا وهناك، وانتزاعنا قرارات أممية في غاية الاهمية إلا أنها تبقى ناقصة في ظل حالة الانقسام السائدة.
إن استمرار هذه الحالة السيئة بحاجة إلى تحرك فلسطيني جدي ، يبدأ بالالتفات إلى واقعنا السيئ وما آلت إليه الأوضاع ليس فقط السياسية. بل أيضا الاجتماعية والاقتصادية حيث تشير بعض الأرقام الإحصائية إلى أن أكثر من ربع الأسر الفلسطينية تفتقر إلى الأمن الغذائي، وأن نصف الأسر الفلسطينية تشتري حاجتها الأساسية بالدين، وهذا مؤشر خطير يثير تساؤلا هام ألا وهو إلى أين تسير الأمور في الواقع الفلسطيني جراء حالة الانتظار الذي على ما يبدو أنها متبعة للحفاظ على الوضع الحالي، والذي دوامه قد راق للبعض خدمة لمصالح شخصية أو حزبية ضيقة.
سياسات الاحتلال نحو مدينة القدس، وكافة الأراضي المحتلة عام 1967، بالإضافة إلى الحصار المفروض على قطاع غزة، والتصريحات العنصرية التي تنطلق من رأس الهرم السياسي في دولة الاحتلال، تحتم على القادة الفلسطينيين العمل على إنهاء الانقسام، وهذا يقع كل فلسطيني غيور على وطنه . وفي المقدمة الأخ الرئيس أبو مازن بصفته رئيسا لدولة فلسطين، ورئيسا لمنظمة التحرير الفلسطينية، وقبل كل ذلك بصفته فلسطينيا غيورا وحريصا على وحدة الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.
ومن جانب آخر تتوازى هذه المسؤولية لتقع على عاتق رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الأخ خالد مشعل الذي قال قبل قرابة الشهر بتصريحات مشجعة نثمنها بكل ما تحمله الكلمة من معنى بأن “حماس أخطأت عندما استسهلت حكم قطاع غزة بمفردها بعد أحداث الانقسام الفلسطيني مع حركة فتح، عقب فوزها بالانتخابات البرلمانية عام 2006، وظنت بأنه أمر ميسور ثم اكتشفت بأنه صعب”. وهنا لا بد من التأكيد على النوايا الحسنة والعمل الجاد من قبل الأخ الرئيس أبو مازن، ومن قبل الأخ خالد مشعل على إنهاء الانقسام. وقد آن الأوان لفعل ذلك اليوم وليس غدا، فليس هناك وقت للانتظار، على أساس ما تم التوافق عليه في القاهرة والدوحة، لأن التأخير في فعل ذلك لن يستفيد منه سوى الاحتلال، الذي يعمل ليل نهار على قضم ما تبقى من الأرض، والقضاء على أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران للعام 1967، والقدس الشرقية عاصمتها.
إن إنهاء الانقسام على أساس ما تم الاتفاق عليه في القاهرة والدوحة وبيان الشاطئ في غزة ، وعلى أساس الشراكة السياسية الكاملة بين جميع مكونات النظام السياسي الفلسطيني وخروج الجميع بصيغة التوافق والشراكة ، سيجنب الشعب الفلسطيني ويلات قادمة قد تكون أقسى مما نمر به الآن ويحاول الاحتلال جاهدا جرنا إليها ويساعده في ذلك ما تمر به المنطقة من ظروف صعبة ، تحتم علينا تجديد العهد على درب الشهداء بمقاومة الاحتلال وصولا إلى التحرر والاستقلال وإقامة الدولة. وكل ذلك مرتبط بترتيب البيت الداخلي الفلسطيني، وإحداث شرخ في الرأي العام الإسرائيلي باتجاه الاعتراف بالحق الفلسطيني من خلال المقاومة المشروعة على الأرض، ولنا في الشهادة التي قدمها رئيس مؤسسة بتسيلم – المركز الإسرائيلي لمعلومات حقوق الإنسان – أمام مجلس الأمن الدولي ودعا فيها العالم إلى تحمل مسؤولياته في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي المحتلة عام 1967، سابقة مهمة يجب استثمارها والعمل على ترويجها في كافة المحافل الدولية والإسرائيلية آخذين بعين الاعتبار الحدود التي وضعتها حركة مقاطعة إسرائيل (BDS) بعين الاعتبار في كل تحركاتنا في هذا الاتجاه.
إن النهوض بالواقع الفلسطيني يتطلب أن يتحمل الجميع مسؤولياته، على قاعدة الشراكة والتوافق، وأن التناقض الرئيسي فقط مع الاحتلال، وأن إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الداخلية الفلسطينية يجب أن يكون على الأرض، وليس مجرد شعار لإثارة مشاعر الجماهير، لأن الأمنيات وحدها لن توصلنا إلى شيء لا بل ستزيد الطين بلة، وستقودنا إلى ما هو أسوء.
إن صورة القائد الراحل الشهيد ياسر عرفات، وهو ينحني لإعطاء كأس ماء للشيخ الشهيد أحمد ياسين وهو يقبل رأسه ، ليس مجرد صورة بل هي تجسيدا لواقع قاده أشخاص عظام أدركت أهمية الوحدة وأدركت أن الخلاف مهما وصل لن يصل إلى حد القطيعة والاقتتال، وهذا ما نريده من القادة الحاليين بأن يذهبوا إلى ما ذهب إليه الشهيدين ياسر عرفات وأحمد ياسين بالحفاظ على وحدة الصف الفلسطيني، ونحن على ثقة تامة بأن نرى الرئيس أبو مازن والأخ خالد مشعل سيزفان لنا بشرى إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة قريبا، فهما الأقدر الآن على فعل ذلك.
إن مفتاح الحل للشروع بالخروج من كابوس الانقسام يكمن بتشكيل حكومة وحدة وطنية تمارس مسؤولياتها دون عائق على كافة مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية في إطار النظام السياسي الفلسطيني كما تم الاتفاق عليه بين وفدي “فتح وحماس” في الدوحة، على ان تعمل الحكومة على دفع عملية إعمار قطاع غزة وفك الحصار الظالم على القطاع ومعالجة آثاره وإعادة توحيد المؤسسات في الضفة الغربية وقطاع غزة.
ومن ضمن مسؤوليات الحكومة الرئيسية أيضا تهيئة الأوضاع لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية، يقوم الرئيس بتحديد موعدها بالتشاور مع جميع القوى والفصائل والفعاليات الوطنية وحسب الاتفاقات السابقة والتفاهمات الأخيرة في الدوحة، كذلك وبالتشاور يتم العمل على إجراء انتخابات مجلس وطني حيثما أمكن و/أو وضع آليات وفق الاتفاقات السابقة لتشكيل المجلس الوطني الجديد سعيا لإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير وتجديد النظام السياسي الفلسطيني. وهنا لا بد من الإشارة إلى الدور المركزي الذي يمكن أن تلعبه لجنة الانتخابات المركزية ضمن الصلاحيات القانونية الممنوحة لها، وما تتمتع به هذه اللجنة برئيسها وطاقمها من مصداقية واحترام لدى جميع أبناء الشعب الفلسطيني.
إن الإنسجام الطبيعي مع هذا القرار الأممي يكون بإعلان قرار وطني بإنهاء الانقسام وتعزيز الوحدة الوطنية وتعزيزالتلاحم والتكاتف في مواجهة الإحتلال ، نعم انتصر العالم بأسره لحقنا المشروع ونحن علينا أن ننتصر لمستقبل شعبنا وتضحياته ونعلن بأنه لا بديل عن إنهاء الانقسام، وبناء الوحدة الوطنية على أساس توافقي يعيد الاعتبار للمشروع الوطني، ويعيد ثقة المواطن في قياداته وأحزابه، ويوحد الهدف الفلسطيني أمام المجتمع الدولي فهذه خطوة ضرورية نحو دحر الاحتلال ونيل الاستقلال وبناء الدولة الديمقراطية التي تحترم جميع مواطنيها