أثار قرار لجنة الأكاديمية السويدية منح المغني والشاعر الشعبي الأميركي بوب ديلان جائزة نوبل للآداب هذا العام موجة من الاندهاش، بل والاستنكار في غالبية وسائل الإعلام، وتساءل كثيرون عن معنى الأدب الرفيع الذي يستحق الجائزة الأولى على مستوى العالم.
ورأت وسائل إعلام أن من يراجع تاريخ هذه الجائزة يجد أنها غالباً ما تراعي جوانب أخرى غير الإبداع الأدبي، مثل الدور الأخلاقي للفائز بهذه الجائزة، ويبرز ذلك في حيثيات منح الجائزة، التي كثيراً ما تتضمن أن الفائز جمع بين الإبداع الأدبي والحماسة، لأجل تحقيق هدف أخلاقي.
وترى وسائل الإعلام أن الكثيرين ممن لم يحصلوا على هذه الجائزة، على رغم الإجماع العالمي على موهبتهم الأدبية وإبداعهم الذي لا يمكن التشكيك فيه، ربما لم يحظَ بهذا الشرف، لأنهم لم يرفعوا أصواتهم لأجل الآخرين، ولعل أكبر دليل على ذلك تجاهل جائزة نوبل في نسختها الأولى للأديب الروسي ليو تولستوي!
ورأى الإعلام حينها أن الأدب الخالد هو الذي لا يرتبط بمرحلة زمنية بعينها، ولا يكون هم صاحبه أن يلعب دوراً في مشكلات وأزمات عصره، لأن الإبداع الأدبي المتفرد، والذي يحمل عمقاً فكرياً وبلاغة لغوية، ربما لا يعترف به المعاصرون، لكنه يبقى إلى الأبد محتفظاً بقيمته ومكانته، حتى ولو كان المبدع غير مثالي من الناحية الأخلاقية، لأن الأدب ينفصل عن السيرة الذاتية لصاحبه، وتبقى قيمته في ذاته.
ثم تتساءل عما إذا كان ذلك ينطبق على الفائز بالجائزة هذا العام، والذي هو في المقام الأول صاحب إبداع موسيقي باع عشرات الملايين من الأسطوانات، وكانت بدايته الأدبية كارثية، فكتابه الأول الذي ظهر في 1966 في طبعة غير رسمية ووجد رواجاً بين القراء، حكم عليه النقاد بصورة سلبية للغاية، وظهر كتابه الثاني في 2004، أي بعدها بحوالى ثلاثة عقود، وبالتالي لا يمكن الحديث عن إنتاج أدبي غزير.
وفي مقابلة صحافية لبوب ديلان في 2001، أجاب عن سؤال حول احتمال حصوله على جائزة نوبل في الآداب بقوله: «إنه لا ينتمي إلى الجماعة الأدبية التي تضم كتاباً مثلا هيمنغواي»! لكنه في العام الماضي صرح عند حصوله على جائزة جرامي في الموسيقى، إنه يرى أن أغانيه تشبه المسرحيات، التي كان شكسبير يشاهدها في طفولته!
ورأى الإعلام أن ما يجمع بوب ديلان وشكسبير هو أن كليهما لم يكن له وطن يستقر فيه، وكان كلاهما دائم التجوال والانتقال، لأن ديلان ينتقل من حفلة موسيقي إلى أخرى في جميع أرجاء العالم.
ورأى آخرون أنه يستحق الجائزة، إذا تخلصنا من النظرة النخبوية للأدب، واستطعنا أن نرى العبقرية الأدبية في عبارات له، مثل: «كل ما يمكنني فعله هو أن أكون نفسي، مهما كانت تلك النفس»، أو «لا أحد حر حقاً، حتى العصافير مكبلة بالسماء»، أو «كل من ليس على وشك أن يولد، هو حتماً في طور أن يموت».
وفي حفلته الموسيقية الأخيرة تجاهل بوب ديلان صيحات بعض جمهوره الذين نادوه بالحاصل على جائزة نوبل، ولم يعلق على ذلك على الإطلاق، لكنه اختتم حفلته بأغنية لفرانك سيناترا بعنوان: «لماذا محاولة تغييري الآن»، بدلاً من الأغنية التي اعتاد أن ينهي بها حفلته، وهي «ليس هذا أنا، يا حبيبي»، ما اعتبره البعض تأكيداً على أن الجائزة لن تغير فيه شيئاً، وسيبقى كاتب الأغاني الشعبية كما هو، بعيداً عن النخبوية.
جائزة نوبل للآداب هذا العام تجعلنا نتساءل: من هم الفئة التي تنتمي للأدب؟ وهل نستطيع حصرها في إطار معين، أم أنه فضاء ممتد؟ اليوم فاز مغنٍ فهل سيفوز راقص المرة المقبلة، أم سنجد سينمائي ينضم للقائمة؟
لجان الجوائز ومقوموها لهم نظرتهم وللنقاد والقراء نظرة، وفي الأخير الفضاء يسع الكل!