عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب – يمكن قراءة حالة الاعلام العماني من جوانب عديدة , ومن ابعاد مختلفة , ولعل القراءة الفضلى لذلك هو المتابعة لتطور هذا الاعلام وتشخيص حالته , وربط ذلك بايقاع التطورات في الداخل العماني وفي الخارج , ومعرفة مدى استلهام هذا الاعلام للواقع العماني وخصوصياته , وايضا مقدار تفاعل هذا الاعلام مع الخارج واستفادته من ثورة المعلوماتية , وتجلياتها عبر وسائل مختلفة وانعكاسها في شبكات التواصل الاجتماعي وتوظيف التكنولوجيا والمحاولات العالمية المتنفدة لتحويل الانسان الى مخلوقات اعلامية .
أكثر الملتقطين لهذه التحولات وضرورة الاستفادة منها وتوظيفها بوعي وعدم الهروب منها للامام , او الاختباء منها والانكفاء بعيد عن تاثيراتها هو وزير الاعلام العماني الدكتور عبد المنعم الحسني , الذي يؤمن بضرورة المواجهة والتعامل وحتى التفاعل بوعي و موضوعية , فهو لايؤمن بنظرية الاختباء ووضع الرؤوس في الرمال امام التغيرات العاصفة , والتوظيف الاعلامي الرهيب في السيطرة على العالم , كما لا يؤمن بالقفز السريع وحرق المراحل , او الاختباء وراء الفقاعات الاعلامية , واظهار الصورة في مراة مكبرة لا تعكس الصورة الحقيقية لمجتمعاتنا التي ما زالت بحاجة الى العمل الكثير .
الوزير الذي جالسته اكثر من مرة , وكان اخرها في الاردن في مهرجان الاردن للاعلام العربي الثالث , ولساعات طويلة , تعرفت على تفكيره الذي ينطلق في هذا المجال من ضرورة تطوير عمل الاعلام العماني بالتدرج لاستيعاب كل تطور تقني و رسائلي مضموني , ومحاولة فرز النافع من غيره وعبر تدفق الرسائل الاعلامية ووجباتها المتعددة , كما يؤمن الوزير بضرورة مساهمة القطاع الخاص في الاعلام , وهو الايمان الذي جعل وسائل اعلامية عمانية يمتلكها القطاع الخاص تثمر في اذاعتين ومحطة تلفزيونية , وما زالت هناك امكانيات اخرى ان تتم وتقوم عبر المزيد من المحطات , اذ يؤمن الوزير في هذا المجال بالتطور في تناول القضايا العمانية العامة , وعبر عمان ايضا في التعامل مع العالم , وذلك بمرونة ووعي , وان كان هناك خلاف في وجهات النظر فان المسطرة في رأيه هي النظام والقانون الذي يجب ان تحتكم اليه وفيه كل وسائل الاعلام عامة كانت ام خاصة , وهو ما جرى التعبير عنه في وقف صدور احدى الصحف العمانية , كما يؤمن الوزير الحسني بالتوسعة في مجال تشغيل الشباب , ويرى ان الاعلام لا بد ان يكون دائما متمتعا بالشبابية مع حكمة الكبار , وان يتاح للاجيال الطالعة ميادين جديدة من التدريب والتعلم , وان لا يقتصر ذلك على المؤسسات الاعلامية الرسمية .
فالاعلام الرسمي لا يستوعب الاجيال المتخرجة في مجال الاعلام , ولذا لا بد من دعم الاعلام غير الرسمي وعدم اعتباره ” ضرّه ” تجري مناكفتها او الدخول في سباق معها , فلكل شكل اعلامي خصوصيته واسلوبه وعناصر المنعة لديه , والاعلام الذي يستثمر فيه القطاع الخاص لابد ان يكون دافعا ومحفزا للاعلام الرسمي لمزيد من التطور حين يبدأ الاعلام الرسمي المثقل ربما بالتعليمات والمسؤوليات ” يغار ” من الاعلام غير الرسمي .
اذن يعتقد الوزير بضرورة ان يظل الاعلام موضوعيا في نهجه , وان لا يدخل اسلوب الحملات او تستخفه المعطيات فيخرج عن الموضوعية ويلحق بالاشاعة او الوقوع في خطأ السبق او تزيين الواقع .
ولذا يرى الوزير ان اعلام الدولة لا بد ان يخدم كل المؤسسات , وان لا تقتصر خدمته على السلطة التنفيذية او الحكومة او جهة معينة في المجتمع , وان شعار اعلام الدولة لا بد ان يفهم على صورة سوية ومتوازنة حتى لانظلم الاعلام او نظلم الدولة في حالة التجاذب و افتراق التعريفات او الغرق في التنظير .
الوزير الاكاديمي الذي جاء من الجامعة , ومن تخصص الاعلام وامتلك رؤية واسعة , اخذ بعض جوانبها من علم وفن التصوير الذي تخصص فيه , فالمصور يرى كل جوانب الصورة , حتى يحسن التقاطها , ويراها ملونة على طبيعتها حين ينقلها , والاضافة هي قدرته على اخذها من الجانب الذي يجعلها اكثر جمالية , ولذا فان مساحة وعيه الثقافي قادمة ايضا من حقول الحوار التي عاشها مع طلابه وقدرته على ادارة المعرفة معهم , ولذا فانه يؤمن بضرورة انخراط الشباب في الاعلام صانعين ومتلقين ومتفاعلين , فهو وسيلة التوعية والتوضيح و ربط الاجيال بالمعرفة وحتى الاقناع .
ولان العالم يشهد ازمات عديدة فان ادارة الاعلام ورسائله واستعمال تقنياته لا بد ان تخدم اهدافا وطنية في الدرجة الاولى وان لا تكون هذه الاهداف منغلقة عن الاخر او على الاخر , ولذا دعا الوزير الى ” التعبير عن حاجاتنا القائمة المتجددة بطريقة جديدة ” , وهذه الطريقة الجديدة لا بد ان تواكب المتغيرات , وقد قرأت ذلك للوزير في اكثر من لقاء , سواء في لقاء عمّان ( الاردن ) في مهرجان الاردن للاعلام الثالث في كلمته الافتتاحية , اذ ان سلطنة عمان هي الدولة الضيف المحتفى بها في المهرجان . او من قبل في مؤتمر وزراء الاعلام العرب في الدورة ال ( 47 ) في القاهرة في 23 / 5 / 2016 , او قبل ايام في بكين في زيارته لها , حيث اعيد التذكير بالدور العماني التاريخي في المشاركة عن طريق الحرير في المشروع الريادي الثقافي الذي اثارته الصين تحت اسم ( حزام وطريق ) وذلك في 7/ 9 / 2016 , حيث اعاد الوزير التذكير بضرورة التفاعل والشراكة والانفتاح واحسان استعمال الاعلام كأداة لذلك ” بعيدا عن افتعال الضجيج او استعمال الفقاعات الاعلامية ” , فالدول لا بد ان تعبر على نفسها من خلال اعلام واع وموضوعي مهما كانت الضغوط التي تواجهها وتستهدف اخراجها عن وقارها , فللدولة اعلامها وليس للاعلام دولة يتحكم فيها بين المد والجزر , لانه في النهاية لم يعد الشعار القديم لكل دولة حدودها الاعلامي بعد ان هدمت الاسوار الاعلامية واصبح للاعلام فضاء كونيا لا تستطيع الاسوار احتواءه .
سلطنة عمان أدركت منذ وقت بعيد، (ويمكن قراءة ذلك من خلال رسائلها الاعلامية ومضمون اعلامها) أنها لا تؤمن بالتدخل في شؤون الاخرين، او أن يتدخل الآخرون في شؤونها. وأن عليها أمام ذلك أن لا تجمد ولكن أن تتفاعل بهدوء وبفاعلية ملحوظة تحفظ لها مكانتها وحيويتها ، ومن هنا كان النهوض العماني واضحا في مجال المساعدة على فض النزاعات حين سخرت عمان فائض قدراتها السياسية والدبلوماسية وبتوجيه من السلطان قابوس بن سعيد في هذا المجال.
ولذا وجدنا في سياسات السلطنة الخارجية توازنات مدروسة وسلوك واع وخطوات محسوبة ازاء صراعات جارفة وحرائق محيطة وتوترات شديدة ، ومن هنا يمكن قراءة المواقف العمانية التي تظهر وكأنها محايدة تماما في الازمة السورية واليمنية وحتى الموقف العماني من اعادة موضعة مجلس التعاون الخليجي والرؤية له، ورفض الدعوات السريعة للدمج والاتحاد على حساب مصالح الاطراف في المجلس وعلى حساب الرؤية المشتركة المتكاملة.
فالسلطنة تخشى من توظيف المواقف المغامرة او التي لا تتوفر فيها قواسم مشتركة في اطار الاتحاد ، ولذا كانت ملاحظاتها على ذلك موضع جدل وقد تحملت الكثير في هذا الجانب قبل ان تثبت سلامة رؤيتها حين ظلت تعتقد أمام الدعوات الصاخبة الى ان “درء المفاسد أولى من جلب المنافع” وأن في التأني السلامة وفي العجلة الندامة.
والسؤال الذي ظل مطروحا أمام الوزير الحسني ، والذي أجاب عليه في أكثر من اجابة وعبر أكثر من وسيلة ..هل سوّق الاعلام عُمان في الخارج كما تريد ؟ ولماذا لا تزيد الجرعة الاعلامية في رسم صورة عمان؟
وهنا يدرك الوزير أن الاعلام أحيانا يكون كالدواء فالجرعة الناقصة لا تفيد في العلاج والزائدة قد تقضي على الحالة او تشوهها ، ولذا فإن الاعلام لا بد أن يفصل كثوب على حجم الجسم لا ضيق ولا فضفاض وانما نظيف وناصع اللون ما استطاع الخياطون أن يفعلوا ذلك.
حين التقى الوزير الحسني هنا في الاردن العديد من الشخصيات المحاضرة المشاركة والمتفاعلة .. كان قد ركز في احاديثه على الشباب وضرورة استمرار التواصل معهم , لأنهم هم قادة المستقبل وهم صمام الامان، ودعا بوضوح بعد محاضرة عن تاريخ عمان واسهاماتها الحضارية الكبيرة في محيطها الاستراتيجي الهام الى ثقافة التعامل مع المعلومة.. وتعميق هذه الثقافة وتأهيلها لقبول المعلومة وتحليلها وتوظيفها لأن المعلومة هي المعرفة والمعرفة قوة , وبناء السلوك من المعلومة هو كالعلاج بعد التشخيص وليس قبله..
اليوم والسلطنة تستقبل العام 46 من بدء مسيرة النهضة العمانية ،فإن الاعلام العماني المتجدد في خدمة الرؤية العمانية وفي استعمال الوسائل المتطورة فالمسيرة مستمرة والاجيال تتطلع لمزيد من المكاسب والعيش الافضل وهذا كله لا بد ان يبشر به الاعلام ويشرحه ويحسن استمرار الربط بين الانسان والواقع.
السلطنة عشية العيد السادس والاربعين هي اليوم أكثر قدرة على التفاعل وأكثر ايمانا بالعمل المؤسسي والتزاما به وأكثر ادراكا بأن السياسات التي انتهجتها أمام ما عاشه الاقليم من فوضى هي السياسات الاصوب.. وانه حان الوقت أن تخلي الحكومات مساحات اوسع للاعلام ليحل القضاء وسلطته منظما حيث يقع الخلاف.
وزير الاعلام العماني د.عبد المنعم الحسني و السفير العُماني في الاردن خميس الفارسي خلال مهرجان الاردن للاعلام الثالث
الوزير الحسني في لقائه الاستاذ سلطان الحطاب رئيس تحرير موقع عروبة الاخباري