منح مجلس الدوما الروسي منذ أيام الحق لقوات بلاده بوجود دائم ومفتوح في سورية. تزامن ذلك مع تعزيز القوات الروسية لترسانتها العسكرية بصواريخ “أس 300” المتطورة.
تركيا التي زجّت بقواتها في سورية قبل شهرين تقريبا، أعلنت مؤخرا عن نيتها فرض منطقة آمنة داخل الأراضي السورية مساحتها خمسة آلاف ميل مربع، ثم دفعت بالمزيد من قواتها في المناطق المحاذية لحدودها.
ومع اقتراب موعد الحسم في مدينة الموصل العراقية، وافق البرلمان التركي على تمديد وجود ألفي عسكري تركي شمالي العراق سنة كاملة. ليس هذا فحسب؛ القيادة التركية دخلت طرفا مباشرا في التحضيرات لمعركة الموصل، لابل اشترطت عدم مشاركة المليشيات الشيعية في اقتحام المدينة “السنية”، وإعطاء المجموعات المسلحة التي دربتها القوات التركية في قاعدة “بعشيقة” دورا أساسيا في المعركة.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قالها بصريح العبارة؛ سكان الموصل من المسلمين السنة، ومعركة تحريرهم من حكم “داعش” مسؤولية القوى السنية فقط.
إيران موجودة هنا وهناك؛ في العراق صاحبة الكلمة الطولى في الحكم، وفي سورية تتمتع بوجود عسكري وأمني، لايقل عن الوجود الروسي.
ومثلما هو الحال في حلب سيكون في الموصل؛ قوى إقليمية ودولية تتصارع لتعزيز نفوذها ومصالحها. وفي ظل هذا الواقع لايبدو خيارا أمام تلك الدول سوى تقاسم الأرض، وتكريس واقع الكانتونات القائم حاليا.
والتقسيم لن يقف عند حدود المدينتين؛ فالمصالح المتضاربة لتلك القوى لاتقف عند حدود، وستجد نفسها غارقة في مخطط تفكيك البلدين إلى دويلات طائفية، وجغرافية أحيانا، ومعززا برغبة عارمة لدى المدنيين العزل بالخلاص من ويلات الحرب، وإخفاق المجتمع الدولي بفرض حلول سياسية تحفظ وحدة البلدين.
ما من قوة في العراق أو سورية اليوم تقف في وجه التقسيم. الروابط الوطنية انهارت بالكامل لحساب الاصطفافات الطائفية والإثنية والمناطقية.
عمليات التطهير الطائفي في مناطق واسعة من العراق وسورية، تسهل خيار الكانتونات، ونزوح الملايين خارج ديارهم، يقضي على الهوية الوطنية الجامعة، التي قامت عليها الدولة القطرية “القومية”.
لكن الخطر القادم لايقف عند حدود التقسيم، بل يتعداه للهيمنة الأجنبية. روسيا ستحكم في مناطق سورية بقوتها العسكرية، ومعها تركيا وإيران. وفي العراق سيتكرر السيناريو. تركيا تخشى تمدد الكيان الكردي صوب الموصل، وستبقى هناك لتقاوم هذا التحدي. إيران مستحكمة في جنوب العراق ووسطه، و”الإقليم السني” في غرب البلاد يصبح أمرا واقعا، تتنازعه قوى أجنبية وعربية “سنية”.
سنوات قليلة تفصلنا عن التشكيل الجديد للإقليم من حولنا. سنوات من الحروب الدموية والويلات الإنسانية. معركة الموصل وحدها مقدر لها أن تخلف عشرات الآلاف من اللاجئين على أقل تقدير، ناهيك عن الضحايا.
هذا فقط ما يخص الوضع في الأجزاء الشمالية والشرقية من منطقتنا. كيف سيبدو الوضع لو أن التوقعات تصدق في الجزيرة العربية ومصر؟