في لقائه الأول مع رؤساء تحرير الصحف اليومية، سعى رئيس الوزراء د. هاني الملقي، يوم الخميس الماضي، إلى تقديم موقف حيال مختلف الملفات المفتوحة اليوم على طاولته؛ بدءا من صفقة استيراد الغاز من إسرائيل، والتعديلات على المناهج المدرسية، وصولاً إلى العلاقة مع المملكة العربية السعودية، وضمنها آخر التطورات بشأن صندوق الاستثمار الأردني السعودي.
الرئيس مضى شارحا قرارات حكومته خلال الفترة السابقة، معبراً عن اقتناعه بما فعلت حتى في أشد القضايا حساسية، لاسيما استيراد الغاز من إسرائيل. إذ أكد أن توقيع اتفاقية الغاز ليس إلا تقديرا وتكريسا لمصلحة الأردن، للحفاظ على أمن الطاقة الوطني. وذلك بغض النظر عن مدى قدرة هذا الرأي على إقناع المناوئين للفكرة، خصوصا من ينطلقون من تقدير المخاطر الاستراتيجية على حاضر الأردن ومستقبله، للاعتماد على الغاز القادم من إسرائيل، وبحيث تتواصل للآن أشكال الاحتجاج على الاتفاقية.
حتى العلاقة بين أعضاء الفريق الوزاري، والنقد المستمر له بأنه غير متجانس، بما يشكل مدخلاً إلى مشاكل وربما مواجهات بين أعضائه، فقد تناول الملقي هذه المسألة، مؤكدا أنه على النقيض مما يشاع، فإن الفريق منسجم إلى أقصى الحدود.
وطبعاً، كانت حاضرة في حديث الرئيس العلاقة مع صندوق النقد الدولي، ومواضع جاذبية الاقتصاد الأردني وقوته، مثل السياسة النقدية؛ وكذلك أساليب تحقيق نقلة على صعيد إيجاد حلول للمشاكل المختلفة، وتحقيق التنمية المنشودة.
الملقي استرسل في بث الرسائل وتوضيح موقف حكومته من القضايا المتباينة منابعها وقطاعاتها، وبما يؤكد إدراكه لحجم ما يجب عليه وفريقه الوقوف عنده وحلحلته. لكن هذا الفهم والاستيعاب لا يعنيان بالضرورة أن السياسات المتبعة حاليا قادرة على تحقيق طموحات الرئيس في حكومته الثانية.
الحجة هي ما حاول الرئيس تقديمه لإقناع المجتمع بجدوى ما يفعل. إلا أن ذلك لا يلغي ما مفاده أن الرئيس لم يصل إلى الصعب بعد؛ لأن التصعيد حيال رفض صفقة الغاز مع إسرائيل مستمر، كما أن معركة الثقة على الأبواب، ولا يُتوقع أن تكون هينة بالنظر إلى تركيبة مجلس النواب الجديد، وأيضا تبعا للملفات المفتوحة.
ومن الملفات التي ستستثير الرأي العام، التوجه لتطبيق استراتيجية تسعير الكهرباء الهادفة إلى التخلص من الدعم الحكومي؛ وذلك بزيادة التعرفة في حال ارتفاع سعر برميل النفط عن 55 دولارا. أي إن قرار زيادة أسعار الكهرباء بات بالمرصاد في أي لحظة، رغم ما تقوله الحكومة بأنها زيادة ستكون بالكاد ملموسة، لاسيما على الشرائح منخفضة الاستهلاك، لأن كل دولار زيادة سيقابله ارتفاع بمقدار فلس واحد فقط، بحسب الأرقام الرسمية.
المهم أن الملقي ليس كسابقيه من رؤساء الحكومات عموماً، كونه لم يدخل مباشرة في مواجهة مع مجلس النواب، بل حصل على “فترة سماح” طويلة تتيح له التواصل مع النواب ومحاورتهم، وبما يمثل هامشا للمناورة وتحضير أقواله، يفترض أن يؤدي بدوره إلى جعل المواجهة أقل حدة، بيد أن ذلك غير كاف حتى نشهد بالتالي “معركة ثقة” مختلفة أيضاً.
اليوم، يتحدث الملقي وهو تحت ضغط الظروف المعقدة التي جاء رئيسا للوزراء في خضمها. لكنه يقدم الرأي باستقلالية شديدة؛ من دون ضغط من مجلس نواب، ومن غير اكتراث ربما لرأي عام غير راض عن بعض القضايا. لكن ما هو آت أصعب، كما يدرك الرئيس بالتأكيد؛ لأن انتظار المجتمع لن يطول، وليبدأ قريباً تبلور المواقف النهائية وإصدار الأحكام على أداء الحكومة. وهذا الأخير لا تسعفه، موضوعياً قبل أي شيء آخر، المعطيات المحلية الصعبة، كما الحالة الإقليمية والعالمية المعقدة والمضطربة.
هكذا هي بدايات كل الحكومات؛ تفاؤل كبير، ووعود كثيرة، وكتاب حسن نوايا يؤكد الرغبة في العمل. لكن الحقائق والمواقف تنجلي مع مرور الوقت. ولا ندري ماذا سنسمع من الملقي بعد ستة أشهر من الآن، وكم سيبقى بهذه الروحية بعد وقت!