ما حدث ويحدث في مصر، التي كانت مصدرا للتنوير والطرح الحضاري المتزن، الذي نقلنا أو نقل العالم العربي من عصر الخلافة العثمانية إلى عهد التنوير الليبرالي الأوروبي، الذي جلبته حملة نابليون منذ قرنين من الزمان، تغير الآن وأصبحنا في «الهوى سوى»، فالتزمت الاخواني – السلفي الذي لم يعرفه المصريون طوال حياتهم غزاهم مؤخرا. وعلى الرغم من اندحار وفشل الإخوان، فإن أياديهم مازالت تثير المشاكل والفتن والتزمت.
وآخر إبداعات الفتن والتزمت على الطريقة المصرية المعاصرة، هو الهجوم الكاسح لدرجة التهديد بالقتل الذي تلقته عضوة محكمة في مسابقة ملكة جمال صعيد مصر، حال عدم انسحابها من المسابقة التي تقام لأول مرة في محافظة أسيوط في وسط الصعيد المصري!
المسابقة، التي تتنافس فيها عشر فتيات من الصعيد على لقب ملكة جمال الصعيد يوم 10 أكتوبر الجاري، أثارت غضب مجموعة من الشباب الذين هددوا بحرق وقتل مُنَظِمة المسابقة وأعضاء هيئات التحكيم، بحجة كونها – المسابقة – تخرج عن العادات والتقاليد المصرية الصعيدية!
وعلى الرغم من توضيح المنظمات للمسابقة، في أن المسابقة لا تعتمد على الجمال الجسدي أو الشكلي – كما يعتقد البعض – لكن على الثقافة والتعليم واللياقة واللباقة والطموح، والدور الاجتماعي الذي تقوم به الفتاة في محيطها، وأن اختيار الملكة لن يكون لشكلها وجمال وجهها وجسدها، فهذه العناصر ليست من شروط المسابقة، فإن ذلك لم يخفف من غلواء رافعي شعارات العادات والتقاليد، الذين وجهوا تهديدات جدية بالقتل للمنظمين والمشاركين، ما أدى إلى انسحاب المحكمين وخوف أولياء الأمور على فلذات أكبادهم، وأفشلوا المسابقة قبل أن تقام، تحت شعار «احترام العادات والتقاليد»!
***
ونحن نعزي الشعب المصري على انضمامه مؤخرا إلى نادي تقديس العادات والتقاليد، التي عشنا عقودا من دونها سعداء سالمين غانمين، وعانينا الأمرين عندما احترمها وطبقها بعمياوية وفرض تطبيقها علينا! فقد عانينا منها في إقرار المادة (206) و(206) مكرر من قانون الجزاء في منع الخمور، الأمر الذي نجم عنه أننا أصبحنا ننافس كولومبيا في تجارة المخدرات بأنواعها، باستهلاكها وتصديرها ترانزيت للخارج! وعانينا بفضل شعار العادات والتقاليد من قانون الفصل العنصري الجنسي في الجامعة (قانون منع الاختلاط)، الأمر الذي تسبب في صرفنا مئات الملايين وانتظارنا لعشرات السنين، من دون أن ترى جامعة الفصل العنصري في الشدادية النور!، عانينا من منع الحفلات والتشديد عليها، الأمر الذي نتج عنه هجرة الآلاف من مواطنينا الى الخارج، عند أي بارقة أو فرصة عطلة، حتى لو كانت عطلة نهاية الأسبوع، ولدول الجوار التي تبيح ممنوعاتنا، مع احترامها لعاداتها وتقاليدها! والقائمة الموجعة تطول بالأضرار التي ألحقها بنا أساطين الغلو والتخلف تحت شعار العادات والتقاليد بمجتمعنا الذي كان منفتحا متحضرا! لتنضم مصر القدوة مؤخرا لنا قي ذلك الهم المسمى عادات وتقاليد!
.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
علي أحمد البغلي
Ali-albaghli@hotmail.com