عروبة الإخباري – ضمن لقاءاته الفكرية استضاف منتدى الفكر العربي مساء الثلاثاء 4/10/2016 سفيرة الفلبين لدى الأردن سعادة السيدة جونيفر ماهيلوم- ويست، في محاضرة بعنوان “الفلبين والعالم العربي: قصة التجارة والهجرة والإيمان في عالم معولم”، بحضور دبلوماسيين ومثقفين وكُتَّاب وإعلاميين، وأدار اللقاء الأمين العام للمنتدى د. محمد أبوحمور، الذي قال في كلمته التقديمية: إن هذا اللقاء يأتي ضمن سلسلة لقاءات في مسار أنشطة المنتدى مع سفراء الدول الصديقة، التي يربطها مع الأردن والعالم العربي علاقات وثيقة ومميزة وتاريخ مشترك، سواء على صعيد السياسة أو الاقتصاد أو الثقافة والمجتمع.
وأشار د. أبوحمور إلى أن علاقات العالم العربي بالشرق الآسيوي تُعد علاقات ذات أبعاد استراتيجية ولها تاريخ عميق إنسانياً وحضارياً. وأن المنتدى عمل ويعمل على المزيد من تفعيل الحوارات العربية العالمية، وفي هذا السياق فقد عقد حوارات عربية- آسيوية وشرق آسيوية مع مؤسسات فكرية ومراكز دراسات في كل من الصين، وكوريا الجنوبية، وباكستان، وتركيا، معرباً عن الأمل في عقد المزيد من الحوارات في هذا الاتجاه ومنها مع المراكز الفكرية والثقافية في الفلبين، التي تربطها بالعالم العربي علاقات تجارية وحضارية قديمة، وتعتبر من أغنى مناطق العالم في التنوع الثقافي، وكذلك التنوع الحيوي في جزرها البالغ عددها 7100 جزيرة، مما يفتح آفاقاً جديدة للحوار وتبادل وجهات النظر والاطلاع على تجارب بعضنا البعض، وخاصة في مجالات التعاون من أجل التنمية الشاملة، والقضايا التي تهمّنا جميعاً.
وأضاف د. أبو حمور أن هذه العلاقات تطورت وتوثقت في العصر الحديث، وهناك أعداد كبيرة من المغتربين الفلبينيين يعملون في البلدان العربية ومنطقة الشرق الأوسط، ولا سيما في البلدان النفطية، وفي الأردن يقدر عدد القوى العاملة الفلبينية حوالي 33.640 عاملاً.
كما أشار د. أبوحمور إلى أن العلاقات بين الأردن والفلبين أصبح عمرها في شهر مارس من العام الحالي (2016) أربعين (40) عاماً، وكانت بدأت في شهر مارس عام 1976 بعد زيارة جلالة الملك الراحل الحسين بن طلال وجلالة الملكة علياء – رحمهما الله – إلى العاصمة الفلبينية مانيلا. وتتميز العلاقات الأردنية – الفلبينية بقوتها وحيويتها. وهناك حوالي 7000 طالب أردني درسوا في الجامعات الفلبينية، والميزان التجاري بين الأردن والفلبين بلغ العام الماضي حوالي 12 مليون دينار، ولا يزال الأمل أن يزداد التبادل التجاري أكثر بجهود الجانبين، ويكون هناك علاقات أوسع اقتصادياً بين رجال الأعمال في البلدين، بعد أن زار وفد من رجال الأعمال الفلبينيين الأردن العام 2015 والتقوا بنظرائهم الأردنيين. وهناك اتفاقية توأمة بين مدينة مادبا الأردنية ومدينة فلبينية شبيهة بها تمّت هذا العام بمناسبة مرور (40) عاماً على إقامة العلاقات الدبلوماسية. وهناك اتفاقية بين وزارتي العمل في البلدين لتنظيم سوق العمل.
وأشاد د. أبوحمور بمواقف الفلبين وشعبها الذي تجاوز ما مر به من صعاب خلال العهود الاستعمارية واستطاع أن ينهض ويصنع الازدهار في بلاده، ولا سيما في النشاط التجاري مع العالم، الذي هو مصدر الثروة الاقتصادية الأول للفلبين، إضافة إلى تحويلات الفلبينيين بالخارج التي تبلغ سنوياً حوالي 29.7 مليار دولار، وأيضاً الزراعة والسياحة مما يعتبر موارد اقتصادية مهمة لهذه الدولة.
وأعرب عن التقدير الكبير لسعادة السفيرة جونيفر ولبلدها على الاهتمام الفلبيني بالعلاقات مع الأردن والعالم العربي وتأييد الدور الإنساني للأردن بقيادة جلالة الملك عبدالله الأول ابن الحسين في إغاثة اللاجئين السوريين، وأيضاً التأييد الفلبيني لدعم الأردن في هذا المجال، والتوافق بين البلدين في مختلف القضايا المتعلقة بالسلم والاستقرار الدولي.
في محاضرتها أوضحت السفيرة جونيفر أنه منذ العصور القديمة، كانت الدوافع الرئيسية الثلاثة لإقامة روابط بين الفلبين والعالم العربي هي التجارة والهجرة والإسلام، حيث كانت هنالك هجرات وتنقلات من قبل تجار عرب ومسلمين من شبه الجزيرة العربية إلى شرق آسيا بحثا عن فرص أفضل، وقد جلب هؤلاء معهم إلى الجزر الفلبينية الأفكار والممارسات الإسلامية، التي تجذرت وازدهرت في الفلبين وفي المنطقة، مما اعتبرته السفيرة جونيفر “عولمة سابقة” للعولمة الحالية حين كان التجار العرب يسيطرون على التجارة الدولية في المنطقة ولديهم محطات ومراكز تجارية في جميع أنحاء جنوب شرق آسيا، وخاصة فيما يتعلق بتوجيه التجارة مع الصين.
وأشارت إلى أن الفلبين شهدت موجات لاحقة من المهاجرين من الشرق الأوسط تتكون من الأرمن والسوريين واللبنانيين والأردنيين والفلسطينيين واليهود الشرقيين، الذين وصلوا إلى شواطئ الفلبين خلال الفترة الإسبانية الاستعمارية (1571-1898) والفترة الأمريكية (1898 -1945)، ومعظمهم من الذين أعيد توطينهم في أستراليا ونيوزيلندا. وخلال 800 سنة، وصلت عدة موجات من الهجرة من الشرق الأوسط إلى الفلبين، حاملةً معها الأفكار والممارسات والمعتقدات التي من شأنها أن تتداخل في التعددية الثقافية الفلبينية الظاهرة اليوم؛ إذ يقدر أن نحو 2٪ من الفلبينيين أصولهم عربية.
وأوضحت السفيرة جونيفر أن المهاجرين العرب وخاصة من حضرموت الذين استوطنوا الفلبين كان لهم أثرهم في زرع بذور الإسلام هناك، ونشر اللغة العربية، فضلاً عن التأثيرات والممارسات الدينية الإسلامية الموجودة حتى الوقت الحاضر، على الرغم من فترات الاستعمار الاسباني والاستعمار الأمريكي،التي نجم عنها هيمنة المسيحية في الأرخبيل الفلبيني. وكانت هذه الأسلمة ذروة الانتشار التصاعدي للإسلام في جنوب الفلبين من ملقا، وجاوا، وسومطرة عبر الملايو، من خلال الدعاة المسلمين من جنوب الصين الذين اتبعوا التجار العرب. وكان انتشار الإسلام سلمياً على العموم، وليس عن طريق الغزو، مما ساعد على انتشار الإسلام في جميع أنحاء الفلبين.
كما أشارت السفيرة الفلبينية إلى أن تعاليم الإسلام عملت على خلق الإحساس بالانتماء للمجتمع مع دار الإسلام، ومع الجيران المباشرين في الجنوب ومع المجتمع الإسلامي في جميع أنحاء العالم. وهذا الشعور بالانتماء إلى المجتمع الإسلامي الأوسع، بدلاً من التماهي مع “مانيلا الإمبريالية”، عاصمة الاستعماري، عززت هوية وتطلعات واضحة للمسلمين في مينداناو عن بقية الفلبين، وأفشلت المحاولات الاستعمارية لبسط سيطرتها الكاملة على المنطقة، وتلت ذلك السياسات المعتمدة أيضا التي أدت إلى الانفصال والتي توجت بتوقيع اتفاق طرابلس في عام 1976، وهو اتفاق سلام يسرت إبرامه منظمة المؤتمر الإسلامي في وقت لاحق. ويشكل المسلمون اليوم حوالي 6٪ من سكان الفلبين، والإسلام هو دين المعيشة والقوة الثقافية، ولا سيما في مينداناو.
وحول التأثيرات الرئيسية في الفلبين من التراث العربي والإسلامي، قالت السفيرة جونيفر إن هذه التأثيرات تتمثل في القانون على أساس مما جاء في القرآن الكريم، وفي الفضائل الإسلامية التقليدية من شجاعة، وكرم ضيافة، وطاعة الوالدين، ونظافة، وحب الحقيقة والعلم، إضافة إلى الشكل الجديد من الحكومة (السلطنة)، والأبجدية والكتابة العربية. وهناك تأثيرات من الأدب العربي بما في ذلك الملاحم، وقصائد الحب، والقصص والأمثال والألغاز، التقويم العربي في الأعياد والمناسبات الإسلامية، والفن الإسلامي والطراز المعماري، ودخول كلمات من اللغة العربية إلى اللغة الفلبينية، وغير ذلك.
أما في العصر الحديث فقد أخذت علاقات الفلبين مع الدول العربية تتسارع وتتطور لاعتبارات السياسة الخارجية الفلبينية ابتداء من عام 1970، وتعتبر هذه الفترة ومنذ ذلك العام حتى بداية التسعينيات حافلة في مسيرة العلاقات الفلبينية العربية بعد أن بشرت بظاهرة انتشار العمالة الفلبينية في البلدان التي تحتاج إليها على وجه السرعة في الشرق الأوسط، وساعد ذلك مؤقتاً على تخفيف ضغوط البطالة في الفلبين آنذاك.
وفي عام 1972 مع إعلان الأحكام العرفية، وتكثيف الميول الانفصالية لجبهة التحرير الوطني مورو. توجهت السياسة الخارجية الفلبينية بشكل كبير نحو العلاقات مع الولايات المتحدة، لكنها بدت أكثر تنوعاً في الوصول إلى منطقة الشرق الأوسط ومناطق أخرى من العالم، ضمن الوقائع الجديدة الممثلة في النفط، ومنظمة المؤتمر الإسلامي (الميسر للسلام في المحادثات بين حكومة الفلبين وجبهة تحرير مورو الوطنية)، ومسألة العمال الفلبينيين في الخارج.
وتعتبر السعودية المصدر الأول للنفط إلى الفلبين بما نسبته 49.6% من إجمالي المستوردات الفلبينية من النفط الخام، تليها روسيا، والإمارات العربية المتحدة، وقطر، وعدد من الدول الآسيوية.
أما فيما يتعلق بالعمالة الفلبينية في الخارج فإن 10% من إجمالي عدد السكان البالغ 110 مليون نسمة هاجروا خارج بلدهم، وهناك ما يقدر ب 2.5 مليون عامل مؤقت منتشرون في منطقة الشرق الأوسط. وتأتي الفلبين في المرتبة الثالثة ضمن أعلى المعدلات في العالم بعد الهند وجمهورية الصين الشعبية في حجم التحويلات الواردة من العاملين في الخارج، التي بلغت 29.7 مليار دولار في عام 2015. وهذا يمثل 10٪ من الناتج المحلي الإجمالي في الفلبين.
وأوضحت السفيرة جونيفر أن منطقة الشرق الأوسط هي من أكثر المناطق في اجتذاب الهجرات للعمل، حيث يوجد فيها عدد كبير من المستثمرين والمهندسين والأطباء والمعلمين وعمال البناء وخدم المنازل القادمين من شرق آسيا، بما فيها الفلبين.
وأشارت إلى أن استطلاعاً أجري عام 2015 بيَّن أن واحداً من بين كل أربعة عمال الفلبينيين في الخارج (24.7٪) يعملون في المملكة العربية السعودية، التي تعد الوجهة الأولى للعمال الفلبينيين، تليها الإمارات العربية المتحدة (15.5 ٪)، وهونغ كونغ (5.9٪)، والكويت (5.8٪)، وسنغافورة (5.7٪)، وقطر (5.5٪). وأن وجود العمالة الفلبينية في الشرق الأوسط وأجزاء أخرى من العالم وإعادة صياغة السياسة الخارجية الفلبينية وفق القانون الجمهوري “قانون الخدمة الخارجية الفلبينية لعام 1991″، فوض وزارة الشؤون الخارجية لتنفيذ الركائز الثلاث من السياسة الخارجية الفلبينية، في حفظ وتعزيز الأمن الوطني، وتعزيز وتحقيق الأمن الاقتصادي، وحماية الحقوق وتعزيز مصالح الفلبينيين في الخارج.، من خلال تثبيت آليات الحماية في شراكات مع البلدان المضيفة مثل عقود العمل، ومراكز الموارد العمال، وخطط الطوارئ لأوقات الأزمات، وخطط إدارة دورة كاملة للهجرة من وإعادة الإدماج، وتعزيز قواعد ومعايير منظمة العمل الدولية، والمنظمة الدولية للهجرة، والأمم المتحدة في حماية حقوق العمال والمصالح الدولية.
واختتمت السفيرة الفلبينية محاضرتها بالقول إن العولمة اليوم تحدث بوتيرة سريعة وعلى نطاق واسع، وذلك بفضل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ودورها في تحرير التجارة وحركة الناس والسلع، مما جعل رؤوس الأموال والخدمات في العالم كله ضمن اقتصاد واحد متشابك، وأن معظم البلدان تسعى إلى الاستفادة من اتجاهات العولمة لصالح مواطنيها، مما يعني تقديم فرص وتحديات جديدة. ومن هذه الفرص: الحوار والانسجام بين أتباع الأديان، والتعاون بين بلدان الجنوب، والتجارة والتعاون في مجال الاستثمار، والتعليم والتدريب، وما يتعلق بقضايا الأمن الغذائي، والدراسات والبحوث المشتركة ، والتعاون الثقافي والسياحة، والنقل جوي، والتعاون الإقليمي ومتعدد الأطراف.