خطاب خالد مشعل في مؤتمر تحولات الحركات الإسلامية في الدوحة (نهاية أيلول (سبتمبر) الماضي)، مع مقال أحمد يوسف في صحيفة “دنيا الوطن”، وتصريحات أبرز قياديي الإخوان وجبهة العمل الإسلامي في الأردن، زكي بني ارشيد، لموقع “سي. إن. إن بالعربية”، كلها تصب في الاتجاه نفسه؛ أي خطّ المراجعة والتصحيح لدى الإسلاميين، والنقد الذاتي، والتفكير في المضي خطوات إلى الأمام.
الشرارة أطلقها خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، في كلمته المذكورة. وفيها كثير من النقاش المهم في تطوّر الفكر السياسي للحركة، ليس فقط عندما أعلن أنّ حركة حماس أخطأت في الانفراد بإدارة شؤون قطاع غزة في العام 2007، وإقراره أيضاً بأخطاء الحركات الإسلامية عموماً في إدارة مرحلة “الربيع العربي”، بل في تأكيده على إخفاق فكرة “البديل” التي تحكم رؤية كثير من الحركات الإسلامية، بوصفها البديل الوحيد عن إخفاق الحركات الأخرى، وبإصراره على مبدأ الشراكة الوطنية والسياسية بوصفها المفتاح الرئيس للمستقبل.
أحمد يوسف، أحد القيادات الفكرية البارزة في حركة حماس، هو الآخر كتب مقالاً عن تصريحات خالد مشعل، أيّد فيه إقرار مشعل بأخطاء الحركة الإسلامية، وكرّر أيضاً أفكاره الجدلية الإصلاحية المعروفة، ورفض الدعاية التي بدأت تروج في أوساط معينة في حركة حماس بأنّ كلام مشعل يأتي بسبب نيته عدم الترشحّ للقيادة، بوصفها “ضربة مقفي”!
أما زكي بني ارشيد، فأقرّ بوجود مراجعات جوهرية في أروقة حزب جبهة العمل الإسلامي أفضت إلى إعادة النظر في هيكلية الحزب، والتخلي عن شعار “الإسلام هو الحل” في الحملة الانتخابية، بل وولادة فكرة التحالف الوطني للإصلاح، والعمل على تعزيز مفهوم توزيع الأدوار كي تتفرغ الجماعة للدعوة وحزب جبهة العمل الإسلامي للعمل السياسي، أي فصل الدعوي عن السياسي، كما حدث في تونس والمغرب سابقاً.
إجماع القياديين الثلاثة على النقد الذاتي وأهمية تطوير خطاب الحركات الإسلامية نحو الشراكة وتجاوز الانقسامات الوطنية والمذهبية والأيديولوجية، يعطي مؤشراً على تجاوز جزئي من قبل الحركات الإسلامية لنكستها السياسية التي حدثت في مصر، بعد الانقلاب العسكري، ومحاولة الخروج من حالة الإحباط واليأس والإنكار، والتفكير في المستقبل، والتعلّم من الأخطاء.
التوجه الجديد مغاير لما سمعناه سابقاً من مراقب جماعة الإخوان المسلمين همّام سعيد، الذي نفى ضرورة المراجعة غداة الانقلاب العسكري في مصر، ومن قيادات إسلامية بقيت خلال الفترة السابقة متمسّكة بأنّ الحركة ضحية المؤامرات والثورة المضادة (وهذا صحيح نسبياً)، من دون الإقرار بأنّ الحركة نفسها ساعدت، بضعف خبرتها السياسية ونرجسيتها التنظيمية، خصومها وأعداء “الربيع العربي” على الانقلاب على تلك المرحلة!
إذا تجاوزنا الحالة العربية، ونظرنا إلى تصريحات بني ارشيد أردنياً، بخاصة تأكيده على القبول بفكرة الدولة المدنية وعدم تعارضها مع الإسلام؛ فإنّها تشي بأنّنا أمام تفكير جديد. وهو مهم، لكن الأهم ألا يقف عند القشور والأشكال والهياكل، ويغفل المضامين!
إذ رغم مرونة الحركة في الحملات الانتخابية، فإنّ خطاب عدد كبير من مرشّحيها كان يناقض ذلك، ويعزز الشكوك بأنّ هناك أكثر من خطاب لدى الحركة، أولاً. وثانياً، أنّ هذا “الفكر الجديد” لم يعبر إلى القواعد ويتغلغل بها، فما يزال أسير الحلقات المغلقة فقط في القيادة.
تصريحات بني ارشيد خطوة أخرى بالاتجاه الصحيح. والمطلوب أن تتقدم الحركة خطوات أخرى وأن تضبط خطابها وتصوراتها ضمن مربعات النقد الذاتي والتفكير في الديمقراطية وتطوير الخطاب والتنوير ورفض التطرف، والتأكيد على أهمية التعددية والتنوع والشراكة السياسية الوطنية في تصميم رؤيتها للمرحلة المقبلة.