بتسارع شديد، تعود الأوضاع في سورية إلى ما كانت عليه من وحشية قبل إطلاق العملية السياسية الرامية إلى تسوية الأزمة دبلوماسيا.
لأسابيع قليلة مضت، شعر السوريون بأن هناك ضوءاً في نهاية النفق المعتم والطويل. لكن انهيار التفاهمات الروسية الأميركية في حلب، قلب الحياة في المدينة المحطمة إلى جحيم.
لم يعد هناك مكان بمنأى عن الغارات الروسية وبراميل النظام السوري. المستشفيات والمخابز والمدارس سويت بالأرض. الآلاف من المدنيين الأبرياء سقطوا ضحايا لقصف همجي.
ورغم ما تنقله وسائل الإعلام من صور مروعة، فإن مراسل “بي. بي. سي” يقول إنكم لا ترون سوى القليل من صور المأساة في حلب.
خلال الأيام القليلة الماضية، بذل الدبلوماسيون من الطرفين الروسي والأميركي، جهودا كبيرة لإنقاذ الهدنة. لكن بعد كل جولة من الاتصالات، كانت الأوضاع على الأرض تزداد تدهورا، والمواقف السياسية تباعدا، إلى حد الإعلان ولو بشكل غير نهائي عن فشل الجهود الدبلوماسية، والتسليم بالأمر الواقع.
سبق أن انهارت الهدنة من قبل في أكثر من مدينة سورية. لكن الأمر يبدو مختلفا في حلب. فهذه المرة، يترافق الانهيار الأمني مع فشل سياسي معلن، لا يترك مجالا لاستئناف المفاوضات في المستقبل؛ أي ترك سورية لتواجه مصيرها.
وفي غياب الدبلوماسية، لن تقبل أطراف إقليمية، وربما دولية، لروسيا أن تتفرد في ساحة المعركة، وتحقق انتصارات حاسمة. المؤكد أن هذه الأطراف ستعمد إلى إطالة أمد معركة حلب، عن طريق مد الجماعات المسلحة هناك بالسلاح، وفي الوقت نفسه فتح جبهات جديدة في مناطق أخرى من سورية، تشهد في الوقت الحالي هدوءا نسبيا.
بمعنى آخر؛ دائرة الحرب ستتسع في الأشهر المقبلة، من دون أن يتمكن أي طرف من حسم المعركة على أي من الجبهات.
صحيح أن تراجع تركيا سيحدّ من قدرات المعارضة المسلحة على الحشد والتعبئة الميدانية، لكن ثمة أطراف أخرى مستعدة لملء الفراغ بالسلاح والمال، فيما روسيا تدفع بمزيد من العتاد والطائرات إلى ساحة المعركة.
موسكو تحاول تغيير ميزان القوى على الأرض مستغلة الفترة الانتقالية في واشنطن، لفرض وقائع جديدة لا تستطيع الإدارة الجديدة تجاهلها، مع بداية العام المقبل.
لكن من الصعب القول إن موسكو ستنجح فعلا في إحداث تغيير جذري في الميدان السوري. لقد مضى على تدخلها العسكري سنة كاملة، ولم يتحقق سوى القليل من التقدم.
تركيا كانت تأمل في حسم معركتها مع الجماعات الكردية المسلحة في غضون أسابيع، غير أنها اليوم تتحدث عن إقامة مديدة في سورية، وإقامة منطقة آمنة على الحدود يتطلب تأمينها نشر الآلاف من الجنود داخل الأراضي السورية.
تنظيم “داعش” الإرهابي يستطيع أن يناور حاليا في مساحات أوسع، ويعيد رسم خريطة نفوذه من جديد.
سورية بشكل عام في طريقها إلى تبني المقاربة الأفغانية، وعلى نحو أسوأ بكثير؛ بلاد ممزقة بين المليشيات وقوات النظام، وفي السماء طائرات من كل الأجناس لا تجيد غير قتل السوريين الأبرياء. مأساة مفتوحة إلى إشعار آخر.