منذ إعادة تكليف د. هاني الملقي بتشكيل حكومة ثانية، بدأ الاختبار الحقيقي للرئيس وفريقه؛ كون الأشهر الأربعة السابقة على ذلك إنما كانت أقرب إلى “فترة سماح” من قبل مختلف الجهات المعنية بمراقبة أداء الحكومة، عدا عن غياب مجلس النواب خلال تلك المدة، نتيجة حله تهيئة لإجراء انتخابات جديدة.
ومن ثم، تبدو النظرة الآن مختلفة تماماً؛ إذ إن تجديد تكليف الملقي يعني حكومة طويلة العمر، رغم ما يقال عن أن عودة غالبية الفريق السابق ليس إلا نقطة ضعف تعتري مجلس الوزراء، ربما تكون سبباً لاختلافات داخله، قد تتطور إلى مواجهات بين أعضاء من الفريق. لكن مثل هذا السيناريو يبقى محض تكهنات، سيختبر قادم الأيام مدى صدقها.
مع ذلك، لم تكن بداية الحكومة طيبة، بانفجار أزمة وزير النقل (المستقيل). وإذا لم يكن أحد يدري كيف ستكون الخاتمة، فإن المؤكد أن مهمة الرئيس بإدارة فريقه وتسيير عمل الحكومة، لن تكون هينة طبعاً، للسبب السابق ابتداء؛ أي الاختلافات والخلافات الموجودة داخل الفريق الوزاري، والتي لم تعد سراً.
وتتعقد مهمة الحكومة بالنظر إلى تشعب الأزمات والملفات. فقضية اغتيال الكاتب ناهض حتر لم تهدأ تماماً بعد. كما أن جبهة معركة تعديل المناهج المدرسية والتصدي لكل التشويه الذي يلاحق القصة، يحتاج عملا طويلا متقناً. فيما جاءت أزمة توقيع اتفاق شراء الغاز من إسرائيل لتفاقم أعباء هذه الحكومة.
ولا يغيب أيضا الاتفاق المبرم مع صندوق النقد الدولي، لتنفيذ برنامج “إصلاح” اقتصادي تحت رقابة هذه المؤسسة الدولية، وبما يمثل طبعاً تحدياً آخر مقلقا للملقي وفريقه، نتيجة ما لذلك من تبعات سياسية واجتماعية.
إذن، كل الملفات السابقة ستشكل بداية علاقة الحكومة مع مجلس النواب الثامن عشر، الذي سيبدأ أعماله في الأيام الأولى من الشهر المقبل. وحتماً لا يخدمها أن كثيرا من هذه الملفات مرفوضة شعبيا، لاسيما اتفاق شراء الغاز من دولة الاحتلال، كما الاتفاق مع “النقد الدولي” وقد صار الصغير قبل الكبير يدرك أن اشتراطاته ستقود إلى اتخاذ قرارات صعبة، تتعلق بأسعار الكهرباء والمياه كبداية، وما يلي ذلك من إجراءات أخرى بغية زيادة الإيرادات العامة.
يعمق المشكلة تراجع المنح الخارجية خلال العام المقبل. إذ تضع هذه الحقيقة الرئيس وفريقه في موقف صعب؛ بين أمنيات التخفيف عن الناس وبالتالي تجنب بعض القرارات الصعبة، وبين واقع عجز الموازنة العامة وتصاعد المديونية، بما يفرض اللجوء إلى تحصيل مزيد من الأموال من جيوب المواطنين لتخفيض أرقام المؤشرين السابقين، أو أقله ضبطها.
إذن، ليس ثمة مبالغة في القول إن الظروف التي تأتي فيها حكومة الملقي صعبة، نتيجة تعقّد الملفات والمشكلات وتشعبها. الأمر الذي يستدعي وجود فريق بتركيبة مختلفة عن الحالية، تسهل مهمة الرئيس، بخلاف ما بات معروفاً الآن من عدم انسجام وحتى خلاف بين أعضاء الفريق الموجود.
وتتعاظم التحديات في وجه الملقي، بالنظر إلى الحالة الاجتماعية التي يسيطر عليها شعور بعدم الرضا والاحتقان، بحكم تدهور الأحوال الاقتصادية، ومن نتائجها تراجع الطبقة الوسطى بشكل كبير، مع ما لذلك من تبعات خطيرة على منظومة القيم التي تحكم سلوك المجتمع ككل، لتبرز ظواهر ومسلكيات غريبة علينا.
أمام كل هذه التحديات يقف د. الملقي اليوم. وعليه أن يواجه كل ما سبق بأعضاء فريق حكومته الذي يحمل تناقضات كبيرة حد التنافر أحيانا. فهل ينجح الرئيس، رغم كل ذلك، في اجتياز الامتحان؟