عروبة الإخباري – بعد مقاطعة موسمين انتخابيين برلمانيين، تعود جماعة الإخوان المسلمين “الأم” في إطار تحالف وطني جديد، تمثل واجهته السياسية حزب جبهة العمل الإسلامي وشخصيات مستقلة، قوامه 15 نائبا في البرلمان الثامن عشر الذي انتخب مؤخرا، ليشكل أكبر نواة نيابية للآن، عملا بمراجعة داخلية أجراها الحزب. فيما أعلن التحالف مبكرا عزمه خوض معركة رئاسة المجلس وفق توافقات مرتقبة، تحدث عنها القيادي البارز في الجماعة والحزب، زكي بني ارشيد، في لقاء خاص معCNNبالعربية، وعن بعض انعكاسات التجربة الجديدة على المرحلة المقبلة برلمانيا.
بني ارشيد بوصفه “مهندس” التحالف الوطني للإصلاح الذي طرح 120 مرشحا في الانتخابات البرلمانية، أكد أن المرحلة المقبلة ستشهد جهودا استثنائية لإعادة الاعتبار إلى البرلمان، مشددا على أن “التحاور” مع التيار العلماني الذي برز مؤخرا كمنافس لتيار الإخوان المسلمين، لا بديل عنه، ومحذرا في الوقت من “داعشية” كلا الطرفين، فيما اعتقد بني ارشيد أن التحالف لديه القدرة على إنتاج نموذج سياسي جديد أفضل من كلا تجربتي “تونس ومصر” وعلى قاعدة الدولة المدنية، على حد قوله.
وفيما يلي نص الحوار:
– ما هي أولويات التحالف الوطني للإصلاح في البرلمان الثامن عشر الذي ستبدأ أولى جلسات دورته العادية في نوفمبر/ تشرين الأول المقبل؟
أهم الأولويات لدى التحالف هو رد الاعتبار لمؤسسة التشريع والقيام بالدور الذي حدده الدستور في الرقابة والتشريع، وتوسيع عضوية هذه الكتلة بتحالفات مع الكتل البرلمانية الأخرى والتفاهم على رفع منسوب أداء منسوب المجلس، وفي مقدمته إعادة رسم قواعد السياسة الأردنية وتحديدا على المستوى الداخلي، في التعامل مع الحكومة وكيفية تشكيلها والموقف من الموازنة المالية والثقة والتدقيق في مشاريع القوانين التشريعية. المطلوب إعادة رسم العلاقة انطلاقا من فصل التوازن بين السلطات أولا، وليس بين الكتلة والحكومة، الحديث هنا عن مؤسسة مجلس النواب وليس التحالف، الهدف تعزيز من المركز القانوني والدستوري للمجلس.
– عودة الإخوان المسلمين إلى البرلمان بهذا الشكل الجديد وبعد “صدام رسمي” كان عنوانه ترخيص جماعة موازية، هل يعني أننا سنشهد حالة استرخاء الآن بين النظام والجماعة؟
الوضع الطبيعي أن يكون النظام منفتحا على كل القوى المدنية والمجتمع المدني والأحزاب والتيارات السياسية، الوضع الاستثنائي أن يقف النظام في مواجهة بعض هذه القوى. مكونات المجتمع المدني يجب أيضا أن تكون منفتحة أفقيا وعموديا أيضا على بعضها البعض، وهنا الحوار الوطني هو العنوان الذي يجب أن يسود المرحلة. هل تكون الانتخابات صفحة جديدة تعاد فيها قنوات التواصل الطبيعية، هذا الذي نأمله، ويمكن إذا حققنا ذلك، فيمكننا اعتبار أن المرحلة السابقة هي مرحلة استثنائية عابرة لا تعبر عن طبيعة المنهج السياسي لنظام الحكم في الأردن، ولا تعبر وبنفس القدر عن طبيعة منهج التفكير السياسي لدى القوى السياسية في الأردن ومن ضمنها الحركة الإسلامية.
– ما تعليقكم مجددا على تصريحات الملكة رانيا العبدالله التي رحبت بمشاركتكم؟
آمل أن تكون هذه التصريحات موجِهة للسياسة الأردنية خاصة أصحاب القرار والسلطة التنفيذية وأن تعبّر عن موقف رسمي حقيقي نتحدث بموجبه عن مرحلة جديدة يتشارك فيها الجميع دون تصادم. الأردن لا يحتمل الصدام والأردن ليس حلبة صراع، من هذا المنطلق رحبنا بالتصريحات كعودة إلى الوضع الطبيعي، الذي كان حريصا باستمرار على مكونات الشعب وفق رؤيا حوارية وليس صدامية.
– أعلنتم مبكرا خوض معركة رئاسة النواب من خلال الوزير الأسبق والقيادي السابق في الإخوان عبد الله العكايلة؟
لا أحب أن أسميها معركة، بل تنافسا على رئاسة مجلس النواب وهو حق مشروع لكل نائب في المجلس ومن حق أي كتلة أن تقدم مرشحها، الموقف لا يعتمد على الارادة فقط بل على القدرة. الاستدراك الوحيد أن يكون هناك تحشيد، بمعنى؛ نتمنى أن يكون رئيس المجلس صاحب كفاءة ليس من أجل إقصاء كتلة معينة، وما سوى ذلك فالمسألة واضحة إذا استطاعت الكتلة أن تشكل أغلبية برلمانية من حقها أن تصل إلى سدة الرئاسة، وإن كانت هناك تحالفات أخرى بأغلبية يصبح الحق الطبيعي لها في البرلمان رئاسة المجلس وحينها يتم التوافق على بقية المواقع.
– أجريتكم مراجعة داخلية في الحزب وفي الجماعة، هل جاء التحالف كأحد مخرجات المراجعة، وهل سنشهد مخرجات لاحقة؟
على مستوى الحزب فقد شكل لجنة خاصة تحت عنوان إعادة الهيكلة داخل الحزب، ارتكزت على بحث ملفات عدة ابتداء من النظام الأساسي ومرورا بالعضوية وإعادة تموضع الحزب في الحياة السياسية والمدنية، ما يعني أن ثمة حاجة قد فرضت نفسها واستشرفتها القيادات وبدأت بها مبكرا، التحالف أحد إنتاجات المراجعة. أظن أننا سنكون أمام جملة من المتغيرات وفي مقدمتها البرنامج السياسي للحزب لا أدري إلى أين ستصل الأمور في الحزب، لكن الحزب جاد في إعادة إنتاج نفسه من جديد.
– قلتم إنكم مع الدولة المدنية و”استبعدتم شعار الإسلام هو الحل” في الانتخابات، هل ذلك ضمن المراجعة أيضا؟
نعم، ولدينا تصوّر عن الدولة المدنية وراجعنا كل المصطلحات المتعلقة بها، خلاصة ما توصلنا إليه أنه ليس هناك تنازع ولا تناقض بين مفهوم الدولة المدنية والدولة والإسلامية، وأن المدنية تقابلها تقابل الدولة المستبدة أو الديكتاتورية، ويمكن أن تأخذ أشكالا مختلفة ممكن أن تتجلى في صورة دولة علمانية ودولة دينية ودولة قومية وثيروقراطية بالمعنى الصحيح، وخلاصة البحث أن الدولة الاسلامية ليست استبدادية بل مدنية هويتها إسلامية بالمعنى الشامل لهذا المصطلح.
– هل تم الفصل فعليا بين الجماعة التنظيم والحزب؟
علاقة الحزب بالجماعة في الأردن هي علاقة ناتجة عن تقاسم أدوار، المشروع السياسي للجماعة يمكن أن يعبًر عنه من خلال الحزب والصيغة التي نسعى للوصول إليها، أن يتخصص الحزب بالملف السياسي كاملا، في حين أن الجماعة يمكن أن تتخصص في ملفات أخرى دعوية وتربوية وتنظيمية. وإذا توصلنا إلى نهاية هذه المسارات عندها نكون أمام مشهد جديد بمنتهى الوضوح، فالسياسة يمكن أن تمارس في الحزب وبقية المجالات تمارس في محضر الجماعة.
– ما تعليقكم على تشكيل الحكومة وغياب المشاورات وكنتم أعلنتم سعيكم للمشاركة في تشكيل الحكومة؟
هي خطوة للخلف، لأن الخطوة التي بدأت قبل نحو أربع سنوات في عام 2013 كانت مشاورات وإن كانت شكلية، لكنها أفضل من العدم، ولابد من تطوير هذه المشاورات وهذه الآليات بالانتقال الى مرحلة المشاورات الفعلية لتشكيل حكومة برلمانية ولو من باب رفع العتب. هذا التجاهل عنوان غير مريح قد يثير الاستفزاز ليس لكتلتنا بل للمجموع النيابي، تجاهل دور البرلمان علامة غير إيجابية وإشارة غير مريحة.
– إخفاق مرشحين عن المقعد المسيحي في تحالفكم، وصفتموه بمحاولة لآخرين لإفشاله؟ لماذا؟
كانت محاولة لإجهاض التحالف الوطني الذي أبرز ميزاته أنه لجميع مكونات الشعب الاردني. أردنا أن يكون للإخوة المسيحيين حضور بقوة في قوائمنا، نعتقد أنها تجربة ناجحة كسرت الانطباع السائد أن الحركة الإٍسلامية هي فقط للحركة الإٍسلامية، بل إطارا أوسع من آفاق وفضاءات الحركة الإٍسلامية ويضم أغلب شرائح المجتمع الأردني، لا يعني إسقاط مرشحي المسيحيين سينهي دورهم في التحالف، سيكون لهم دور في الإٌطار السياسي الوطني أو حتى في الانتخابات المقبلة.
– صعود التيار العلماني المدني كنقيض لتياركم؟ وبروزه كثنائية في البرلمان المنتخب، كيف ستتعاملون معه تحت القبة؟
هذا هو أهم عنوان في هذه المرحلة. الشعب الأردني كمجتمع لديه مجموعة مختلفة من الأفكار والرؤى والمنابر والتصورات، وهناك قواسم مشتركة لا يختلف عليها أي أردني. من الضروري جدا التعاون على المشترك وعلى القواسم المشتركة، وليعذر بعضنا بعضا في طريقة إدارة الاختلاف في وجهات النظر وفي زوايا النظر، فيمكن التعاون في المشترك والإعذار في المختلَف عليه، وطبيعة إدارة الاختلافات أو الخلاف هو التحدي الذي يجب أن يساهم فيه الجميع. ثمة صراع مفترض أو يُعمل على إذكائه وتطويره بحيث يصنع هناك صراع عنوانه الإسلاميون والعلمانيون والليبراليون، هو صراع للأسف امتد من مجموعات علمانية وبين حركة إٍسلامية، إلى صراع بين مجموعات علمانية والدين نفسه، أتابع بانزعاج شديد جدا ما يجري، الدين نفسه أصبح يوصف بأوصاف لا تليق به، وهذا الصراع من أخطر أنواع الصراع وهو يؤدي إلى صراع أديان وليس صراع حضارات، علما أنه كما يوجد حرية للرأي والتعبير أيضا يجب أن تحترم الرموز المقدسة عند الأديان. بالمناسبة نحن أيضا رصدنا باحترام وتقدير تصريحا لبابا الفاتيكان عن رفضه لوصف الدين الاسلامي بالإرهابي وضرورة احترام الرموز المقدسة لدينا. ما يعنيني في الموضوع، أنه ليس من مصلحة التيار العلماني وليس من مصلحة التيار الاسلامي الصراع. هل هناك ثمة من يمكن التحاور معه، وفق القاعدة التي ذكرتها التعاون والإعذار؟ أتمنى أن يكون هناك في التيار العلماني طلائعيون متنورون، يدركون أهمية التعاون وأهمية عدم الدخول في صراع، خاصة عندما يستهدف الدين بحد ذاته، بالتأكيد هذا سيذهب بالأردن نحو اتجاهات متطرفة، بالاتجاهين.
– كيف ذلك؟
بشكل أكثر دقة، إن كان هناك ثمة ما يشكل أفكارا داعشية أو مكونات دواعش لدى بعض المسلمين، فإن الداعشية لدى التيار العلماني لا تقل خطورة وأذى وضرر على المجتمع الأردني باعتباره مجتمعا محافظا من خطر الدواعش المعروفين. لا نريد باختصار أن نسلم أمرنا كأردن، دولة ومجتمع، إلى الدواعش المتصارعة، ليس لنا إلا الحوار وهو أبرز عنوان.
أؤكد أنه ليس من مصلحة التيار العلماني أن يدخل في صراع مع الإٍسلام ذاته ولا مع التيار الإسلامي، هناك قواسم مشتركة كبيرة، وأعتقد أن الحركة الاسلامية أو تيار الاسلامي السياسي بطروحاته المتقدمة على المستوى الحضاري ومفهوم الحريات العامة والدولة المدنية والديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، يتقاطع فيها مع التيار العلماني والليبرالي. أرجو ألا نكون أسرى للدواعش المتطرفة من الجهتين.
– ما تقييمكم لتجربة الإخوان المسلمين في مصر وتونس للان؟
تجربة الإخوان المسلمين في مصر وتونس كلاهما اجتهاد بشري، اجتهدوا فأصابوا في كثير من المواقع، واجتهدوا فأخطوا في قليل من المواقع، وكلمة حق وإنصاف، أن الانقلاب العسكري في مصر لم يكن ناتجا عن فشل تجربة للإخوان المسلمين في مصر، إنما لقطع الطريق أمام نجاح التجربة الإخوانية في مصر، ولم تترك التجربة لأن تستوفي وقتها الزمني، وكان بالإمكان لو كان هناك ثقة بأن هناك أغلبية شعبية في مصر ضد الاخوان، لتم إسقاطهم بطريقة ديمقراطية أفضل بكثير جدا. أما التجربة التونسية فهي نموذج مختلف مختلفة، استفادت ربما من ثغرات التجربة الاخوانية في مصر، برأيي لها وعليها، وفيها إشكاليات ربما كانت تناسب البيئة والمناخ التونسي، وهي ما تزال في طور المراوحة. لا يمكن الحكم على مستقبلها، لكن أبرز ما يميز التجربة التونسية هو أن حزب النهضة التونسي حزب سريع التعاطي مع المتغيرات وفق قراءة المشهد التونسي ومستقبله، وقدم تنازلات تنظيمية وحزبية لصالح المجموع التونسي، هي تجربة تحترم وتدرس، لكن لا يمكن القول إنها تجربة ناجحة بكل المقاييس على الأقل في هذه المرحلة، أمامنا أيام وأحداث لنحكم لصالح تلك التجربة أو تلك، وباعتقادي أننا كحركة إسلامية في الأردن قادرون على أن ننجز ما هو أفضل من التجربتين في مصر وتونس.