لم تكن الرصاصات التي اغتالت الزميل ناهض حتر أمس تستهدفه وحسب، وإنما استهدفت وطنا بأكمله، بوحدته الوطنية والدينية، بكل ما فيه من مكونات وألوان وأطياف لطالما شكلت قوس قزح فريدا.
كان القاتل يستهدف بث روح الكراهية وإشاعة الفتنة بين مكونات مجتمع لم يعرف الفتنة الطائفية في يوم من الأيام، وكاد يدمي التعايش في هذا المجتمع المسالم.
القاتل وجّه رصاصاته إلى حتر، الإنسان والمواطن والصحفي، وإلى جهاز القضاء الذي سالت دماء حتر في ساحته، وإلى المجتمع عندما حاول إشعال نار الفتنة فيه، والى الوطن الذي تمثل هذه الحادثة، الأولى من نوعها فيه.
يوم أمس كان يوما صادما، بكل ما جرى بدءا بحادثة الاغتيال وليس انتهاء بردود الفعل السيئة والسلبية على مقتل مواطن ماتزال أوراقه بيد العدالة والقضاء.
وقد هالني شخصيا حجم البغض الساكن في قلوب الكثيرين، ومقدار الحقد الذي لم يخجل أو يرعوي حتى من قتل إنسان، بغض النظر عن التوافق مع رأيه أو الاختلاف.
وقد نضحت وسائل التواصل الاجتماعي بخطاب كراهية وجهل غير مسبوق، وهو ما يشي بعقول مشوهة فكريا ومسمومة ثقافيا، عقول لا تتطلع إلى دولة القانون ولا دولة المؤسسات بل “حارة كل مين إيده إله”، عقول تستسهل القتل باليد، وهؤلاء، للأسف، أخوة لنا وجيران وزملاء، وهي عقول قاصرة لا تدرك ما سيفضي إليه ذلك الاستسهال من تبعات مدمرة.
كل ذلك يستوجب منا أن نقف لحظة تأمل لتشخيص واقع مجتمعنا وتحديد عللنا وأمراضنا، لمعرفة علاجها، وحتى نبرأ من الجهوية والعصبية والطائفية التي تسربت إلينا، لأسباب كثيرة من بينها استشراء الفكر الظلامي الذي استغل ضعف دولة المؤسسات والقانون، “فمن أمن العقاب أساء الأدب”.
اغتيال ناهض حتر يشكل تحديا للمجتمع قبل الدولة، فعلى المجتمع أن يعي ما يفعله الدهماء والغوغاء والظلاميون فيه، وعلى الدولة أن تُحكم قبضتها وأن لا تتهاون في تطبيق القانون على الجميع، وهو ما يستوجب منها أن تجعل من تحدي الاغتيال فرصة للتنوير والتطوير والتغيير.
الإرهابيون ليسوا على حدودنا فقط، بل بيننا، ولذلك على المجتمع والدولة أن يعملا على تحصين جبهتنا الداخلية من أي فتنة قد تودي به، أو تهز أسلاك أمنه، وعلى الدولة أن تعاقب قاتل ناهض حتر بما يستحق، وأن لا تهمل المحرضين على القتل أو المحتفين به، فهؤلاء لا يختلفون عمن أطلق الرصاص على حتر، فهدر الدم ليس اخطر من مباركة الفعل وتبريره.
ما جرى يوم أمس يؤكد أننا خسرنا معركة التنوير والمدنية قبل أن نبدأها، وأننا مانزال مجتمعا بدائيا لم يتطور، مجتمعا لا يعترف بالقانون ولا بالمؤسسات أو الدولة بمفهومها المجرد، وهو ما يجب أن يتغير.
تخطئ الدولة إن ظنت أن ثمة مهادنة في معركتها ضد التطرف، فلا مجال اليوم للتخلي عن دولة القانون واللعب في المساحة الرمادية، سواء التي تختبئ تحت عباءات كثيرة، من دين مشوه، وعشائرية مريضة، لا تؤمن بعد أن الدولة والقانون هما أساس المعادلة، ولا مجال للخروج من تحت عباءة القانون.
اليوم يُعاد السؤال من جديد هل نحن دولة مدنية؟ أم دولة اللاقانون واللامؤسسات أم ماذا؟، اليوم على الجميع أن يواجه الحقيقة ويبسطها أمامه لنعرف أين نقف؟
كان يوم أمس يوما أسود، ولا ندري تبعاته، لكن الفجيعة بحدث اغتيال الزميل ناهض حتر لا تلغي العقل والحكمة ولا تمنعنا من والوقوف جبهة واحدة لبعض من يحاول أن يجرنا إلى فتنة نتنة يقودها جهلاء يسرحون ويمرحون على مواقع التواصل الاجتماعي دون أدنى حس لخطورة الموقف على الأردن.
الأردن الطيب بأهله سيلملم جراحه مرة أخرى، ويتوحد في وجه الظلام والكراهية ويتصدى لكل من يتمنى أن يلحقه بطابور حروب المنطقة، اليوم يجب أن نبدأ معركة التنوير والحريات والمواطنة ودولة القانون، ونقول بالفم الملآن لا يجوز لأحد كائنا من كان أن ينصب نفسه قاضيا.
هو يوم غضب، ويوم حزن أيضا، ويوم اعتراف، ويوم مراجعة، ويوم طرح الأسئلة المصيرية حتى نتجاوز طوفان الكراهية والتطرف، هو يوم جديد لاختبار وحدة الأردنيين.