في إمكان المعارضة السورية، إذا شاءت أن تعزّي نفسها بعد الاتفاق الذي عقدته إدارة باراك أوباما مع الروس من وراء ظهرها، أن تتذكر الاتفاق الذي عقدته هذه الإدارة نفسها مع إيران، من وراء ظهر حلفاء واشنطن أيضاً، مضحّية بمصالحهم ومهدّدة أمنهم الإقليمي، بعد أن شرّعت لطهران أبواب التدخل في مختلف دول المنطقة العربية، وقامت بتغطية هذا التدخل في معظم الأحيان، كما هي الحال في العراق ولبنان، وفي اليمن، كما يقول البعض، وكما تغطي الآن الدور الإيراني في سورية، بعد اتفاق الهدنة الأخير.
كان في وسع إدارة أوباما أن تقايض الاتفاق مع إيران بالحصول على التزامات من طهران بالتوقّف عن التدخل في شؤون المنطقة العربية. وكان في وسعها لو فعلت ذلك، أن تحصل على تنازلات إيرانية في المقابل، في وقت كانت إيران في حاجة الى التوصل لهذا الاتفاق لتخفيف العقوبات التي كانت مفروضة عليها، والتي كانت قد أصبحت تشكل عبئاً على اقتصادها، وتبعاً لذلك على الوضع السياسي الداخلي ودرجة الولاء الشعبي التي يتمتع بها النظام.
غير أن إدارة أوباما لم تفعل شيئاً من ذلك. قدّمت لإيران العصا والجزرة في وقت واحد. وانتهى الأمر الى أن إيران وإسرائيل هما المستفيدتان الوحيدتان من الاتفاق النووي، فيما تواجه دول المنطقة، صديقة واشنطن، تبعات الصلف الإيراني، مقروناً بشعور بالانتصار على «الشيطان الأكبر»، الذي هزم نفسه وأودى بمصالح حلفائه، غير عابئ بنتائج تلك السياسة الساذجة والمتهورة.
إدارة أوباما تفعل الآن الشيء نفسه، وربما أخطر منه، مع المعارضة السورية. ومثلما ضحّت بالمعارضة على رغم تهديد الرئيس الأميركي بـ «التحرك» إذا تجاوز بشار الأسد ذلك «الخط الأحمر» الشهير، وعقدت صفقة مع الروس على «تدمير» الأسلحة الكيماوية التي قصف بها النظام خان العسل في حلب وغوطة دمشق، ما سمح بإنقاذ النظام ورأسه آنذاك، ها هي الآن تضحّي بالمعارضة في اتفاق مشبوه مع فلاديمير بوتين، سينتهي بالقضاء على المعارضة بحجة محاربة «الإرهاب» (الحجة التي اعتمدها الأسد منذ بداية الثورة عليه) من دون أي إشارة الى الدور الذي تلعبه إيران والميليشيات الحليفة لها في أعمال القمع التي ترتكبها مع قوات النظام ضد السوريين، والتي حصدت وفق تقديرات الأمم المتحدة 400 ألف قتيل ودمرت المدن السورية وخرّبت اقتصادها وألقت بنصف أبنائها على طرق الهجرة والمنافي، داخل سورية وخارجها.
يمتدح جون كيري صفقة الهدنة التي توصل إليها مع سيرغي لافروف بأن البديل منها هو مزيد من القتلى، غير أن وزير الخارجية الأميركي يفضّل أن يتجاهل أن تراكم هذا العدد من القتلى يعود الى تراخي رئيسه عندما كان في إمكانه أن يضع حداً للنظام السوري، على الأقل عندما ارتكب مجزرة الغوطة بالسلاح الكيماوي قبل 3 سنوات.
وكما حصل آنذاك ستكون نتيجة الهدنة الآن أيضاً إفلات نظام بشار الأسد من العقاب بعد كل ما ارتكبه هو وزمرته بحق الشعب السوري. بل إن روسيا، شريكة هذا النظام بالتغطية على جرائمه وبمنع المحاسبة الدولية عنه، بواسطة «الفيتو» المتكرر على قرارات الإدانة في مجلس الأمن، روسيا أصبحت، بفضل أوباما ووزيره كيري، طرفاً في رعاية العملية السياسية المفترضة، والتي لن تؤدي الى أي نتيجة واقعية سوى التمديد للأسد فوق رؤوس السوريين، في ظل التسليم الأميركي بالغطاء الإيراني – الروسي لهذا الاتفاق الجديد.