خصّنا الله بصفتنا مسلمين بشريعة مباركة، ميّزنا بها عن بقية الأديان الأخرى، ألا وهي حج بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلاً. لذلك، فكون الحج خامس ركن من أركان الإسلام، يجمع به الله شتات المسلمين من كل بقاع الأرض على اختلاف ألوانهم وأجناسهم ولغاتهم في أطهر مكان، ملبين لنداء ربهم، فيجب ألا تمر هذه المناسبة «مرور كرام». أدوا ما عليهم من واجب من دون أن يستغلوا الفرصة لما هو أكبر وأعمق، لتصبح المناسبة اجتماعاً إسلامياً عالمياً، نعرّف العالم من خلالها بديننا، وندعو إليه بطريقة «معصرنة»، تجذب الصغير مع الكبير، أتساءل: تطويراً لفكرة مكة لايف – التي عشناها في رمضان الماضي – الناجحة جداً وحماسة شباب لم تجمعهم معرفة سابقة ولا ترتيب أو تنسيق، بقدر ما جمعتهم فطرة سليمة أحبّت دينها ببساطة، خالية من عقد الدخول في تفاصيل تحليل الفعل التلقائي وتصنيفه إلى بدع وتحريم وتكبيل، مبني على قيود تعطل من مسيرة الشغف بمعرفة جوهر الدين السمح الذي جعل الكثير من البشر في كل جزء من أجزاء المعمورة يقطف خير ثمار الفكرة ويستلذ بحلو مذاقها، بعضهم إسلاماً عن اقتناع، وبعضهم الآخر كتغير للون الفكرة الساكنة في ثقافته وعقله عن الإسلام من اللون الأسود إلى الأبيض.
أعني، لماذا لا تكون الفكرة أكثر دعماً، بحيث تتبنى تغطية «الحج لايف» مؤسسات تطوعية في كل دولة إسلامية، بإشراف الجهة المعنية بالشؤون الإسلامية فيها، إضافة إلى وزارات الإعلام؟ وبدلاً من أن تكون التغطية الإعلامية للحج تقليدية بحتة توارثتها الأجيال وفقدت بريقها من خلال مراسلين بالإذاعة والتلفزيون، انحصرت أسئلتهم: بما هو شعورك في الحج؟ وماذا رأيت من تطور الخدمات فيه؟ فلماذا لا نضيف إلى كلاسيكية التغطية «سنابات» و«يوتيوبات» ومعلومة مختزلة عن حديث شريف مترجم بلغة كل دولة، ليصل إلى العالم كله بشكل أسرع؟ أحاديث شريفة تدعو إلى السلام والحب والخير، أو تحكي عن فرض إلهي يدعو إلى التكافل الاجتماعي، أو قصص واقعية على مدى التاريخ الإسلامي، تظهر مكارم أخلاق الدين الذي نعتز به وجماله، نقياً من دون شوائب علقت به من الحاقدين ذوي المصالح الكاذبين المخربين!
لماذا لا تكون هناك دورات تعريفية قصيرة بلغات عدة تحكي عن ماهية الإسلام، تنتهي بنهاية الحج، بالاتفاق مع دعاة عرف عنهم ملكة القدرة على توصيل الفكرة البسيطة بجاذبية، تجعل المتلقي يبحث عن التفاصيل الأكثر عمقاً؟ ولماذا لا تكون هناك مسابقات لغير المسلمين بجوائز مختلفة، بالاتفاق مع أصحاب المؤسسات والشركات والقطاع الخاص في كل دولة، لمن يعرف عن الإسلام معلومات صحيحة من دون «كربون التشويه» العالق به؟ هذه المسابقات لا تهتم بديانة المشارك بقدر ما تحرص على نقاء المعلومة التي تحفظ للإسلام بياض الصورة.
أفكار كثيرة مقالة واحدة تعجز عن حصرها، والمهم أن نغتنم حماسة الشباب ونزعة الخير الفطرية فيه ونحتويها في مناسبات دينية خاصة بنا، كرمضان والحج، وبذلك نطلق قيد عصافير كثيرة ونمنحها الحرية من خلال باب واحد، لأننا بذلك نمتص اندفاع الشباب فنوجه طاقاتهم نحو عمل مفيد، في الوقت نفسه تتضح عندهم الصور ويجدون الأجوبة لأسئلة كثيرة تدور في رؤوسهم عن دينهم، من خلال تبادل المعلومة والتحاور الذي يضيف فائدة أخرى إلى تلك الجهود، وهي إبعادهم عن مناطق الفراغ الخطر الذي تسرق به العقول وتوجه نحو العنف باسم إسلام السلام. ولن ننسى طبعاً الهدف السامي من نشر دين الله والدعوة إليه بلغة العصر التي تدخل إلى العقول من أوسع أبواب الشغف والفضول، والرغبة في التقاط الشيء بأسرع الطرق.
في اجتماع هذا السيل الجارف من المسلمين في وقت واحد ومكان واحد على كلمة واحدة ومن أجل غاية واحدة رسالة عظيمة من الله للبشر وقوة لا يستهان بها، تخبر البشرية جميعها بأن الدين عند الله الإسلام، فلماذا لا نغتنم هذه المناسبة ونقول: «لبيك اللهم» مسلمين، سلاماً يدعو إليه ديننا ملبين، وإلى دين حق كرّمتنا به بالحب داعين؟